على الرغم من تغير الثقافة السكانية لدى شريحة كبيرة من السعوديين، بالتحول من المساكن الفخمة والكبيرة إلى الفلل متوسطة وصغيرة الحجم والشقق السكنية، إلا إن سوق القصور والعقارات الفاخرة لا يزال يشهد نشاطاً جيداً. وشهد بيع العقارات الفخمة في المملكة خلال السنتين الماضيتين حركة جيدة، لوجود طلبات مختلفة من قبل أشخاص اغلبهم من ملاك ورؤساء إدارات للشركة الجديدة الذين استفادوا بشكل جيد من الطفرة التي شهدتها الحركة التجارية في البلاد، سواء على الناحية التجارية من خلال مختلف الأسواق التجارية، أو من العوائد الربحية التي تحققت على مدى 6 سنوات من خلال سوقي العقارات والأسهم المحلية، اللذين شهدا طفرة قوية غير مسبوقة خلال الأعوام الماضية. وتحرك الطلب على القصور بشكل لافت الفترة الأخيرة، حتى مع ارتفاع أسعارها التي يصل متوسط سعرها إلى 5 ملايين ريال، كما أن وجود عدد من القصور تجاوز سعرها 60 مليون ريال، خاصة تلك التي تحتوي على عدد من الفلل داخل سور واحد. ويتميز عدد من الأحياء في مختلف المدن السعودية الرئيسية بتخصيصها لإنشاء القصور، وذلك عبر عدة عوامل أهمها: بعد تلك الأحياء عن المناطق التجارية، والشوارع الرئيسية، مساحة الأراضي من خلال تخصيص أراض كبيرة تتراوح ما بين 2500 متر مربع إلى 20 ألف متر مربع عبر تطوير الأراضي الخام، اتساع شوارع الحي المخصص لبناء القصور والذي يراوح بين 30 مترا و60 مترا، قربها من مناطق البحر في المدن الساحلية كالخبر والدمام ومدينة جدة، ارتفاع أسعار الأراضي في الحي إذ يصل متوسط سعر المتر المربع في تلك الأحياء ما بين 3000 ريال و8000 ريال، تميز تصاميم العقارات في تلك الأحياء حيث إن ملاك العقارات الفاخرة أو الشركات العقارية العاملة على بناء تلك القصور يسعون إلى تصميم تحفة فنية في القصر أو الفيلا ليعطي انطباعاً فخماً على تلك العقارات. انخفاض نسبي للطلب على القصور الكبيرة لارتفاع تكاليف الصيانة والخدمات والنظافة ورغم تركيز أغلبية شركات التطوير العقارية السعودية والخليجية على المشاريع الفخمة، برزت شركات خليجية متميزة تسعى إلى إنشاء مشاريع سكنية تتوجه لذوي الدخول المتوسطة والمحدودة. وأدى التركيز في المشاريع الفخمة إلى خلق أزمة سكنية جدية لشريحة متوسطي ومحدودي الدخل في مختلف الدول الخليجية والتي تمثل نسبة كبيرة من السكان. وكانت عدة جهات سعودية وخليجية حذرت من ضرورة الاهتمام بإنشاء وتطوير مشاريع عقارية سكنية تستهدف الشرائح المتوسطة ومحدودة الدخل، والكف عن تطوير المشاريع التي لا يقدرعليها سوى فئة محدودة من المشترين والمستثمرين الميسورين. ورأت هذه الدعوات أن استمرار ارتفاع وتيرة تطوير الأبراج الفخمة والمشاريع السكنية المخصصة لشريحة محدودة من المشترين والمستثمرين ذوي الدخل المرتفع، ستؤدي إلى مزيد من الاختناقات السكنية ودفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تعمل على استهلاك الدخول وإضعاف القدرة الشرائية لدى أغلب العائلات الخليجية والعربية. وهناك حاجة إلى 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة في السعودية خلال السنوات الخمس المقبلة، غير أن ارتفاع أسعار الأراضي والافتقار إلى التمويل يمكن أن يعيقا النشاط في سوقي الدخل المتوسط والأدنى، حيث يشتد الطلب، كما يقول جون سفاكياناكس، كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني. وهو يتوقع أن تتراجع أسعار العقارات في السعودية بنسبة 20 في المائة العام المقبل، وأن تلحق أشد الإصابات بالعقارات التجارية. ويشير مختصون في الشأن العقاري، الى أن الطلب على تصاميم القصور ازداد خلال الفترة الماضية، حيث يسعى الكثير من ملاك القصور إلى طلب تصاميم جاذبة، من خلال التصاميم المختلفة ما بين الاندلسي واليوناني الذي يستحوذ على اهتمام كبير من ملاك القصور وذلك من خلال استخدامها في مبانيهم، إلا ان الطابع اليوناني يكاد يكون طاغيا في جميع التصاميم الحديثة، والذي يتوضح في كثرة استخدام الأعمدة في تصاميم المنزل، وهو ما يعرف في السوق بالأعمدة الرومانية، وتتجلى في الكثير من واجهات المنازل أو القصور الجديدة، إلى درجة تخصص بعض المهن في صناعة الأعمدة الرومانية فقط، لافتين إلى ان الطراز الإسلامي الاندلسي يظهر في عدد من المباني الجديدة من خلال استخدام النقوش الاندلسية على زوايا القصر أو في الأسقف، موضحاً ان عددا من الأفراد يسعون إلى إحضار تصاميم من الخارج تتناسب مع متطلباتهم. وتتمركز القصور في أحياء مختلفة في المدن الرئيسية إذ يتميز حي النخيل في شمال العاصمة السعودية (الرياض) بوجود القصور، حيث إن اغلب المباني يتمثل في جمال تصاميمها، إضافة إلى جزء من حي العقيق الذي توجد فيه القصور الحديثة والضخمة، وحي الخزامى، في حين تتمركز القصور الفخمة في مدينة جدة غرب السعودية في احياء الشاطئ والقريبة من الكورنيش، حيث يرتفع سعر المتر المربع في تلك الأحياء، والتي سجلت تداولات كبيرة خلال السنوات الأخيرة. ويتسم حي الكورنيش المطل على البحر في المنطقة الشرقية بوجود القصور ذات الواجهات الزجاجية للاستمتاع بالصورة الجمالية للبحر، في حين تتمحور كثير من الطلبات في مدينة الدمام في حي الشاطئ، الذي يطل على شاطئ الخليج العربي، والذي تتراوح أسعار المتر المربع فيه ما بين 1500 ريالا وحتى 5000 ريال، ويشهد الحي عمليات بناء ضخمة في القصور والفلل متوسطة الحجم. وتشهد السعودية حالياً في مختلف مدنها بناء وتشييد عدد من القصور الضخمة في الأحياء الجديدة التي تتوفر فيها مختلف الخدمات، إضافة إلى وجود حركة جيدة في البيع والشراء على عدد من القصور المعروضة للبيع. ووفقاً لعقاريين فان كبار المستثمرين يسعون إلى شراء قصور جاهزة لعدم وجود الوقت الكافي لهم لمتابعة اعمال البناء أو من ينوب عنهم، حيث ان كثيرا من القصور المصممة والمعروضة حالياً للبيع يراوح عمرها بين سنة و4 سنوات، موضحين ان كثيرا من رجال الأعمال أو من يرغبون في تملك القصور لا يرغبون بالدخول لتفاصيل كثيرة وازدحام اعمال البناء ويبحثون دائماً عن القصور ذات المساحات الكبيرة التي توفر لهم الراحة والطبيعة في الوقت نفسه. ورغم انتشار العقارات الفخمة إلا أن السوق العقارية في السعودية لم تركز فقط على الفيلات أو القصور الفخمة، بل باتت تتمحور أكثر على التغيرات الحاصلة في المجتمع، وبدأت النظرة تتغير من الإسكان المستقل إلى الجماعي في صورة مجمعات، ثم إلى شقق سكنية، في ظل ارتفاع الأسعار الحاصل في الإيجارات والأراضي والفلل. وتبدو المعطيات الأولية للاقتصاد السعودي واعدة، خصوصاً مع ارتفاع أرباح النفط، ومع تطور حاجات الجيل السعودي الشاب، ويعتبر عدد السكان في السعودية الأكبر بين دول الخليج. وحالياً يفوق الطلب على المنازل في المملكة العرض بشكل كبير، نظراً إلى أن 70 في المئة من السكان هم من دون الثلاثين. ويبحث المستثمرون العقاريون عن حلول لذوي الدخل المحدود والشباب الداخلين الجدد للحياة الزوجية للحصول على الأراضي والمساكن على أن تكون بأقل الأسعار، مع الوضع في الاعتبار أن المستثمر يريد الربح في النهاية. وبدأت بوادر الطفرة العقارية تظهر ملامحها من خلال الارتفاع المستمر في أسعار مختلف المنتجات العقارية في المملكة، نتيجة الطلب المتزايد على الأراضي السكنية والتجارية والاستثمارية، الذي جاء بعد انحسار الركود الذي استمر على مدى السنوات الخمس الماضية. وتحتاج الطفرة المتوقعة خلال الفترة المقبلة إلى استعداد جيد، لكونها ستدر ربحاً وفيراً على المستثمرين وأصحاب العقارات، لكنها تنعكس على أصحاب الدخل المحدود. وتتطلب مواجهة الأزمة الإسكانية بناء وحدات سكنية تفي بالغرض المطلوب. ودعا كبار العقاريين إلى التوسع في إنشاء الشركات العقارية، التي تستثمر في بناء الوحدات السكنية والتجارية وبأسعار مناسبة لذوي الدخل المحدود. وتشهد المدن والمجمعات القائمة في المملكة تطوراً كبيراً، وتركز في مشاريع المدن الاقتصادية الجديدة التي ترعاها الدولة، التي تبلغ كلفتها 15 مليار دولار. وستتضمن جميع تلك المشاريع تطوير عقارات تجارية وأخرى سكنية، ومن المتوقع أن ينتقل إليها 1.5 مليون شخص على المدى المتوسط وضعف هذا العدد ثلاث مرات مع العام 2020. وتوقع تقرير صادر عن مجموعة سامبا المالية، أن تبلغ قيمة عمليات بناء الوحدات العقارية الجديدة في المملكة نحو 484 مليار ريال مع نهاية عام 2010، وتحتاج المملكة حتى هذا التاريخ إلى بناء نحو 2.62 مليون وحدة سكنية جديدة عند معدل متوسط يبلغ 163750 وحدة سنوياً، وستبلغ الاستثمارات في بناء المساكن الجديدة 1.20 تريليون ريال بحلول عام 2020. وتستحوذ الوحدات السكنية على 75 في المائة من إجمالي النشاط العقاري في المملكة، وستكون هناك حاجة لاستثمار 75 مليار ريال سنوياً من أجل استيفاء الطلب السنوي على الوحدات السكنية حتى عام 2020.