ما أن ينتهي المصلون في المسجد الحرام من الصلاة حتى تبدأ وبعد دقائق قليلة من التسبيح موجة هائلة من الاتصالات باستخدام الهاتف الجوال أشبه ب"تسونامي كاسح"، وقد يجد البعض صعوبة في إجراء أي اتصال، أو عدم القدرة على الاتصال نهائياً، بسبب الضغط على الشبكة، وحتى لو تم الاتصال فإنه بالكاد يستطيع الشخص التحدث، بسبب ارتفاع أصوات المتحدثين عبر هواتفهم النقالة. مئات الآلاف من المعتمرين يستفيدون من خدمة الهاتف الجوال أثناء وجودهم في المسجد الحرام وساحاته، الأمر الذي يظهر نماذج جديدة من السلوك العام، في حين يرى البعض أنه من المستحيل الاستغناء عن فوائد هذه الخدمة المهمة في الفترة التي يقضيها داخل المسجد الحرام حتى وإن كان مشغولاً بالعبادة فقط، ويرى البعض الآخر أن هناك كما كبيرا من التصرفات المزعجة الناتجة من استخدام الهاتف الجوال أثناء وجود بعض المعتمرين في المسجد الحرام، وتحديداً أثناء أداء نسك العمرة، حيث رصدت "الرياض" من يتحدثون بالجوال ولوقت طويل أثناء الطواف بالبيت العتيق، وآخرون يرسلون رسائل نصية، أو يستغلون طول المسعى لمكالمة الأهل والأصدقاء، وربما متابعة المشروعات التجارية..كل ذلك وهم يؤدون نسك العمرة. حالة أخرى أثناء دخول المصلين أوخروجهم من المسجد الحرام - وإن كنا نجزم عدم تعمد الناس إيذاء الآخرين حولهم- فإن المشكلة في هذه الحالة ليست في التصرف بحد ذاته، بل في ارتفاع عدد مرات حدوثها، بسبب الكثافة البشرية العالية في هذه المنطقة الصغيرة، وللمثال: فإن لحظة خروج الناس من الصلاة هي لحظة حساسة جداً بسبب ضغط الازدحام على مسارات وبوابات المسجد الحرام، ويعاني الناس كثيراً من تعطل تدفق الحشود بسبب وجود عدد من الأفراد يتحدثون في هواتفهم الجوالة، بل ويتوقفون للحظات للتركيز على المكالمة وينسون وجودهم في نهر متدفق من الحشد أو أمام بوابات الخروج مباشرةً، الأمر الذي يسبب تعطل انسياب الحركة عند تكرره بشكل كبير. أحد المعتمرين يتحدث عبر جواله في مكان غير مزدحم وهو ما يطالب به الجميع «عدسة-محمد حامد» ولا يُخفي البعضُ انزعاجهم من تعكير صفو السكينة والهدوء المطلوب في جنبات المسجد الحرام عند وجود آلاف المتحدثين حولهم بصوت مرتفع، مما يبعد الإنسان عن الخشوع المطلوب في حال وجوده للعبادة في أقدس الأماكن وأطهرها، ناهيك عن ارتفاع نغمات الاتصال ذات الطبيعة الصارخة وبكل "الأنماط الموسيقية" أثناء الصلاة وبعدها، دون مراعاة لقدسية المكان والخشوع من فيه، أمر جديد آخر يسبب الإزعاج هو "وميض الفلاشات" المتكرر بكثرة عند التصوير في صحن المسجد الحرام ومن أدواره العليا، ويمكن ملاحظة ذلك بنظره من الطابق الثالث، والتي ستكشف الكم الهائل من "الوميض" والناتج من عمليات التصوير باستخدام الجوال داخل المسجد الحرام رغم منعه من الجهات المختصة، ولقد قام أحد المهتمين بحساب "ومضات الفلاش" في الدقيقة في جهة واحدة من المسجد الحرام حول الكعبة، فوجدها تقارب الستين، أي ومضة كل ثانية تقريباً. وبشكل عام فإن هناك قلقا من الإفراط في التعرض للموجات التي تصدرها كل هذه الأعداد الهائلة من الأجهزة في مساحة محدودة جداً، الأمر الذي يثير تساؤلاً طبياً في أذهان الناس ينتظرون إجابته من الأطباء والمختصين. في المقابل فإن بعض مستخدمي الهاتف الجوال في المسجد الحرام، يرون أن كل ذلك هو النصف الفارغ من الكأس، فهم يرون أن أهمية الجوال تكمن في استخدامه لتحديد مكان الإنسان ليستطيع اللقاء بمن يريد داخل المسجد الحرام في ظل المساحة الهائلة والأعداد الكبيرة، إضافةً إلى أنهم يرون أنه ليس هناك أي مانع من تخليد بعض اللحظات النادرة لهم وهم أمام الكعبة المشرفة بصورة أو بمقطع فيديو، إلا أن الجميع يرى أهمية تقنين هذه الاستخدامات حتى لا تسبب إزعاج المصلين والطائفين والركع السجود.