قليل هم الرجال الذين يستطعيون استلام وإدارة عدد من المهام في وقت واحد فما بالك بالذي برع وأبدع في مجالات عديدة وكثيرة، إنه الشاعر والأديب والوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي، الذي فجعنا بنبأ رحيله المحزن والمؤثر في النفوس لفقدان مثل هذه الشخصية الوطنية المخلصة المحب لوطنه ولشعبه. حيث قضى الدكتور الراحل غازي القصيبي جل سنوات عمره مكرساً اهتمامه وجهده في سبيل تطور وتقدم الوطن ولم يألُ جهداً في العمل الجاد والدؤوب المتواصل لتحقيق النهضة التي نعيشها الآن في ظل عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. وفي مجال الشعر والأدب والرواية كان الأديب الراحل غازي القصيبي شاعراً متميزا وأديبا بارعاً وكان لاسمه مكانة هامة ومرموقة في الأروقة الأدبية والثقافية العربية ، إذ كان لأشعاره وقصائده الجزلة القوية ورواياته وقصصه الأدبية المنمقة عميق الأثر في تشكيل الهوية المعاصرة للأدب السعودي الحديث وكان أحد أهم أعمدة الأدب والثقافة في المملكة في تاريخها المعاصر، ومازالت قصائده الوطنية تتردد على ألسنة مواطني المملكة مشكلة مصدر فخر واعتزاز لهم. وكما في الشعر أجاد الدكتور الراحل الوزير والسفير الإبحار في مجاهل السياسة وتخطي متاهاتها المتلوية ببراعة فائقة وخبرة وذكاء السياسي المحنك، فقد مثّل الفقيد المملكة أحسن تمثيل في سفاراتها في الخارج لا سيما في المملكة المتحدة التي عاد منها ليتسلم مهامه الجديدة ويحمل على عاتقه مسؤوليات الوزارة فضرب من جديد مثال الرجل الأمين المخلص لوطنه ومليكه وشعبه، فخدم الدولة وكرس وقته وحياته لإدارة شؤون الوزارة، ولا أحد في المملكة يجهل دوره في مد الكهرباء والخدمات إلى القرى النائية في المملكة سواء في أعالي الجبال أو في أطراف الصحراء البعيدة، إضافة إلى جهوده المشهودة في تأمين الوظائف وفرص العمل الشريف للشباب السعودي وتبنيه برنامج السعودة حماية للنشء الجديد من الانحراف والضياع وإشراكهم في نهضة الوطن الذي يزداد رفعة وشأناً كل يوم. فهو الرجل المخضرم في دهاليز السياسة وهو الوزير المخلص في مجال عمله وهو الشاعر المبدع في أغراض الشعر وتنوعه، وهو الروائي البارع في صناعة كتابة الرواية العربية والمؤرخ الأمين وهو الإنسان الخلوق في علاقاته المتعددة والمتشعبة الواسعة وتفاصيلها، وغازي القصيبي متعدد المواهب والخصائل بتجربة فريدة قل نظيرها في منطقتنا العربية فهو كان يحمل هم الوطن أينما وجد وحلّ، ولا زلت أتذكر رسالته بخط يده التي وجهها للزميل والصديق الأستاذ فهد السلمان حينما ذكر السلمان أن هناك رجل أعمال في حائل علق لافتة على مصنعه تقول (هذا المصنع افتتح في عهد غازي القصيبي عندما كان وزيرا للتجارة والصناعة واغلق هذا المصنع في عهد غازي القصيبي عندما استلم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل) وعندما نشرت هذه الملاحظة في زاوية زميلنا المبدع فهد السلمان ، كتب له الدكتور الراحل بخط يده (أخي وصديقي فهد السلمان، اطلعت على ما ذكرته وهذا صحيح وعندما كنت وزيرا للصناعة والتجارة شجعت المواطنين على افتتاح مصانع لتعزيز اقتصاد البلد، وعندما استلمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل دعمت السعودة وحذرت من العمالة السائبة على حساب أبناء الوطن .. عندما كنت وزيرا للتجارة والصناعة ، انا غير مسؤول عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وعندما استلمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنا غير مسؤول عن وزارة التجارة والصناعة، وأنا عندما استلم أي وزارة أقوم بواجبي كما يجب ضمن تخصصي) إذن هذا هو غازي القصيبي الذي عرف ببراعته ومهارته وذكائه والذي غادرنا في هذا الشهر الفضيل شهر المغفرة والرحمة لا نملك الا ان ندعو له بالرحمة والغفران بعد أن ترك إرثاً طيباً يشهد لسيرته العطرة. رحم الله فقيد الوطن الدكتور غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته، وأثابه خيراً عما قدمه من خير وعمل للمملكة وشعبها.