هل يمكن الحديث عن الشعر أو الرواية السعودية أو بدايات الصناعة والكهرباء ، أو الصحة أو الحراك الثقافي والاجتماعي والفكري ، أو هل يمكن الحديث عن التدوين لحركة التنوير السعودية دون الحديث عن غازي القصيبي ؟ بالتأكيد لا ، ولا بهذه المثابة جواز عبور نظامي للرمزية الوطنية في حضور النابهين لعالم البقاء الدائم في ذاكرة الأوطان والشعوب وإن رحلوا ، وهكذا كان غازي الوزير القوي الأمين ، والإنسان الرقيق المرهف العذب ، والأديب اللامع الصادق النزيه ، والمثقف النقي الأبي الحر المختلف . غازي لم يمت إذن ، ليس فيما ترك من أثر مكتوب فحسب بل في ذاكرة وطننا الوفي الذي قال فيه ما حفظناه صغارا : وطني وحبك في فؤادي عامرٌ مهما قسوتَ فإنه لا ينضبُ لنقول جميعاً فيه - معشر الشباب - بعد رحيله ليته انتظر ليرى ما تقر به عينه المتعبة بالألم منا والأمل فينا ونحن نسير إلى اللائق بنا فكرا وسلوكا وتنمية ورقياً وبناءً ماديا في الحياة مساوياً لبناء الوعي في الإنسان : فيمَ الرحيل ولم يزل لك موعدُ ضربوه في قمم الجبال وحددوا غازي لم يمت ، هو فارس ترجل ليرتاح قليلا في قلوبنا المسكونة بحبه ، وكل الذي مات هو ذاك الصبي الذي كان يسكنه ليبدأ الشاب الطامح للأجمل والأنقى حياة جديدة تليق به وبمثابرته ودأبه ، ألم يقل : مات الصبي الذي قد كان يسكنني وكنت أسكنه والكائنات لنا وداعاً غازي وفي الخالدين دهراً سرمداً .