إن ما يثير في كتاب "حليم وأنا" (دار الشروق -2010) لهشام عيسى الطبيب الخاص لعبدالحليم حافظ (1929-1977) أكثر من قضية أوردها الكتاب وعرض لها. وبما إنني استعرضت في المقالة السابقة بعضاً من تلك القضايا سوف نرى في هذه قضيتين: واحدة عن الحب في حياة عبدالحليم والأخرى عن مشروع الأغنية السياسية والوطنية في مسيرته الغنائية. يعرف أن علاقة ملتبسة ظل يحكى عنها كثيراً بين عبدالحليم حافظ وسعاد حسني بدأت بعمل فني هو الفيلم "البنات والصيف" عام 1960 ثم في رحلة فنية مشتركة عام 1961 إلى دول عربية وأوروبية، ولكنها استمرت على المستوى الإنساني وكادت أن تكون زواجاً لولا أمر قد حدث ظل غير معروف وترك لتكهنات الكثير ممن ادعوا كشف المخفي والمغيب من هذه العلاقة. حتى أنه عندما توفيت سعاد حسني (1943-2001) ذكرت أختها جانجاه لاحقاً أنه تزوج منها زواجاً عرفياً دون أن تذكر فترة الزواج برغم أن مفيد فوزي الصحفي وأحد من يدعون صداقة عبدالحليم حافظ طرحها في كتاب وتصريحات ومقالات إلا أن الملحن كمال الطويل أنكر هذا الموضوع نهائياًَ. ويروي الطبيب عيسى في فصل: حليم وسعاد، بداية العلاقة فترة رحلة نظمتها إذاعة صوت العرب عام 1961 تقام خلالها عدة حفلات غنائية يخصص دخلها لضحايا الزلزال المدمر الذي وقع في مدنية أغادير بالمغرب (29 فبراير 1960)، فاتفقا في هذه الرحلة على الزواج وقررا شراء بعض الأثاث لمنزلهما المستقبلي وبعد ذلك سافرا بدعوة من يوسف وهبي إلى جنيف ثم انتهى كل شيء تحت رفض سعاد حسني للفكرة من أساسها، وصاغ الطبيب عيسى ذلك عبر سؤال يطرحه: كانت سعاد تحب حليم أيضاً بصدق فلماذا رفضته؟. علل ذلك بأنها تعرف أن المشاكل الصحية التي بدأت مع عبدالحليم منذ عام 1956 قبل تفاقمها عام 1970 فخشيت أن تبقى زوجة تترك مسيرتها المهنية تمثيلاً واستعراضاً في السينما والتلفزيون من أجل أن تكون ممرضة لا زوجة إلا أن الطبيب يعلل بذهنية الرجل أن عبدالحليم فنان تحيط به المعجبات والراغبات به ما يمكن أن يُشعرها بالغيرة وتصير المنافسة مزدوجة بين رجل وامرأة بالإضافة إلى أنهما فنانان!. غير أن الطبيب العزيز سوف يروي في فصل لاحق: أحاديث في السياسة، حكاية أخرى تؤكد موقف امتناع سعاد حسني من رفض الزواج تلك الفترة وإنما بمبرر آخر، وهو اتصال من رئيس جهاز المخابرات صلاح نصر تلقاه عبدالحليم حافظ أسر فيه "أن سعاد متورطة وأنه يأبى عليه أن يتزوج منها لأنه يحبه ويقدره" (ص: 107)، ويذكر الطبيب صاحب المذكرات "وكانت السندريلا قد سيقت قسراً (ولا أقول تورطت) للعمل مع هذا الجهاز في أعمال خاصة كانت تتم مع شخصيات عربية بغرض السيطرة عليهم سياسياً" (ص: 107). ومن يطالع محضر التحقيق الخاص بمحاكمات ما بعد هزيمة 1967(وهو مسرب في الإنترنت)، خاصة، مع صفوت الشريف الذي ينفذ أوامر تجنيد بعض الفتيات ومنهن ممثلات بطلب من صلاح نصر متقصد لغرض غير مبرر إلا بأنه شخصي، وكانت من بينهن سعاد حسني إلا أنه ينفي استمرارها بعد أن أشاعت سعاد حسني ذلك الطلب إلا أن ما يؤكده الطبيب هو تدخل المشير عامر عبدالحكيم بعد طلب من عبدالحليم حافظ وانتهى الأمر ربما بالابتعاد عن سعاد حسني إلا أن موضوع الزواج انتهى بين الاثنين. وبقيت علاقة عبدالحليم بسعاد حسني مستمرة رغم زواجها بالمخرج علي بدر خان وتحقيقها نجاحات سينمائية شهيرة فترة زواجهما بين عامي 1970-1980. ورغم محاولات -غيرة مجدية- لكثير ممن كتبوا تحت بند أنهم أصدقاء مقربون لعبدالحليم عن علاقات حب صارت بين عبدالحليم حافظ وأخريات لم يكتب لهن الزواج به بسبب أنه يتوقف قبل إتمامها، توشك أن تضعنا في صلب تساؤل أن هناك سراً يتعدى مرضه وانهيار زواجه الوحيد بسعاد حسني. إنه سر ذكر بليغ حمدي في لقاء أخير أن واجب الصداقة يمنعه من ذكره. ذهب عبدالحليم وسعاد وبليغ عن دنيانا بأسباب مختلفة ولكنه الموت.. إن الموت يخفي الأسرار ولكن ربما تحيا ذات يوم.