كلما كان الرصد للواقع المعاش منطلقاً من قلب الحدث ومن مشارك في فعالياته وأحداثه كلما كان دقيقاً فضلاً عن مصداقيته ، ومعبراً وبعيداً عن الاجتهادات والآراء التي قد تعجز عن تجسيم الحقيقة . رغم ما يلاحظ من أن بعض الدارسين لا يعطون هذا الجانب التركيز والاهتمام أثناء دراساتهم وبحوثهم . قبل سنوات وأنا أطالع مقالاً في التربية لأحد المفكرين التربويين . وقفت على فكرة لكاتب المقال تمثل عرضا لرسالة موجهة من طالبة في التعليم العام في أحد الأقطار إلى وزراء التربية والتعليم العرب المجتمعين آنذاك في تونس لبحث بعض الهموم والقضايا التي تكتنف مسار التعليم العربي. الرسالة من طالبة تجسم فيها واقعها مع نظام التعليم المعاش برؤيتها الذاتية جاءت خالية من الإحصاءات ومن الصياغة العلمية والتوصيات لكنها وبمحتوى دلالاتها وسردها العفوي تمثل تقريرا ورصدا مباشرا ودقيقا يمكن لصانع القرار أن يتبنى ما جاء في تلك الرسالة من ملاحظات . مختصر الرسالة نعرضها بتصرف : إننا -معاشر الطلبة والطالبات- نذهب لمدارسنا كل صباح في أيام الدراسة نحمل كماً هائلاً من الكتب الدراسية والكراسات التي تثقل كاهلنا . ونرجع إلى منازلنا بعد جهد وعناء يوم دارسي وقد زاد في حملنا كما من الواجبات المدرسية في مختلف العلوم تعمل على مصادرة حقنا في التمتع بالوقت ببقية يومنا وتحول دون التسلية والترفيه لانشغالنا باستكمال تلك الواجبات دون رغبة أو اندفاع . أصحاب المعالي وزراء التربية والتعليم العرب المجتمعين . تعلمون بأن مقاعدنا الدراسية من خشب صلب نرتبط بها جلوساً طيلة ساعات اليوم الدراسي . لا ننفك عنها إلا قليلا . يتناوب في عرض الدروس المقدمة لنا وخلال بقائنا في قاعات الدراسة التي بالكاد تسعنا عددا من المعلمين والمعلمات كل يرى أنه صاحب الحق والحقيقة في عرض المعلومات التي يقدمها لنا بصيغة قسرية دون تكامل أو تنسيق بينهم . نستقبل تلك المعلومات من أفواه معلمينا ومعلماتنا مباشرة وبأسلوب تقليدي بعيدا عن التشويق والإثارة حيث يرتكز غالبها على الحفظ والتلقين ودون مراعاة لتفاوت القدرات بيننا . مدارسنا خالية من الورش والمعامل المهنية . ومناهجنا لا تقدم المهارات التي نستخدمها في حياتنا العامة . ينتهي حفظنا للمعلومات التي اكتسبناها طيلة أيام الدراسة بتفريغها وفك الارتباط بها في أوراق الإجابة أثناء الاختبارات التقليدية التي نكرهها ولجميع المقررات في أيام محدودة لا تتجاوز الأسبوع أو الأسبوعين فقط وبطريفة المفاجأة فيبنى على نتائجها مصيرنا ومسارنا الدراسي ، يتشتت الذهن بين الكتاب المدرسي والملخصات . وبين قاعة الدرس وإغراء الدروس الخصوصية خارج المدرسة . لا طرق ولا منافذ لصعودنا في السلم التعليمي الجامد والطويل نسبياً حيث نسير مسار الفريق الواحد دون مراعاة لقدراتنا ومستوياتنا ورغباتنا . معلمونا يتهموننا بالتبلد والعقوق وعدم احترامهم وتقديرهم . ونحن نصفهم بالتعالي والقسوة وعدم النزول عند رغباتنا هذا بعض مما دون في الرسالة التي دفعت إلى مؤتمر وزراء التربية والتعليم آنذاك تأتي كورقة عمل تحتاج التأمل والمتابعة لتكون تلك الرؤية الصادقة منطلقاً للتغيير والتطوير نحو الأفضل وللحديث عن التغيير في التعليم بقية .