بعد خمس حلقات من "طاش 17" يمكن القول بأن المسلسل في الطريق لأن يصبح أفضل مسلسل سعودي في هذه السنة، وذلك بفضلِ "سيناريوهاته" الذكية التي كُتبت بوعيّ وتركيز شديدين لم نعهد وجودهما في الدراما السعودية من قبل. فالمعتاد في سيناريو الدراما السعودية (بقسميها الكوميدي والتراجيدي) أن يأتي المسلسل بقضية ما "واحدة" ويرميها في وجه المُشاهد بشكلٍ مباشرٍ جاعلاً جميع شخصياته تدور في فلك هذه القضية حصراً، حيث تتوقف الحياة تماماً، وما من شاغل يشغل فكر الشخصيات سوى قضية واحدة. والمعالجة تسير دائماً بشكل واحد لا يتغير: الشخصيات المخطئة تتوب في النهاية. وللأسف أن هذا الأسلوب المُباشر الذي يفتقر إلى التشويق مستمر إلى الآن في "سكتم بكتم" و"مزحة برزحة" و"غشمشم". لكن "طاش 17" ومما شاهدناه فيه حتى الآن يبدو الأكثر "فنيّة" من هذه الناحية, حيث لم يستسلم لبريق أفكاره المستفزة، إنما عرضها أيضاً بسيناريوهات مُختلفة مارس من خلالها حِيلاً وخِدعاً إبداعية تُعبّر عن نضج في الرؤية. ومن ذلك ما ظهر في سيناريو حلقة "الخال بطرس"، حيث لم يطرأ على بال المُشاهد أبداً أن الحلقة ستنحرفُ لمناقشة قضية "حوار الأديان" قبل أن يُعلن الخال بطرس نفسه بأنه رجل دين مسيحي. قبل ذلك كان الجميع يعتقد أن الحلقة مثلها مثل حلقات سابقة قدمها طاش عن ممارسات السعوديين في الخارج. لكن السيناريو أخفى قضيته الرئيسية ببراعة حتى اللحظات الأخيرة؛ وهنا يكمن التميّز. في ذات الحلقة جرى جدلٌ فكري عن الدين والإيمان بين "حمود" و"محيميد" وخالهم بطرس. بعض المشاهدين احتجوا على هذا الجدل من باب أن المناظرة لم تكن عادلة بين شابين بسيطين وساذجين يُمثلان الإسلام وبين قس مسيحي ضليع بتاريخ الأديان. وتمنوا لو أن كاتب السيناريو جعل الخال إنساناً بسيطاً ينتمي لعامة الشعب وذلك لكي يكون مستوى التفكير واحدٌ عند المتحاورين.. لكن في هذه الحالة: هل سيكون من المنطقي أن يُفتح جدلُ الأديان بين أناسٍ بسطاء لم يلتقوا ببعض منذ أربعين سنة؟. لذا فإن جعل الخال بطرس "قسيساً" هو ضرورة درامية في حلقة تتناول قضية حوار الأديان، وهذا الخيار يختصر الوقت ويجعل "حمود" و"محميد" أمام الأمر الواقع ولا مفرّ حينها من أن يُفكرا ويتناقشا في العلاقة بين الإسلام والمسيحية؛ تماماً كما شاهدناه في الحلقة. الحرص على "المنطق" و"الإقناع" ميزة هذه الحلقة وبقية الحلقات, وإذا استحق طاش المرتبة الأولى فالفضل يعود أولاً إلى السيناريو الحُرّ الذكي الذي صُنع بتركيز عالٍ لا يُغفل أدنى تفصيل. واختصاراً نقول.. إن تميّز طاش بدأ قبل أن يتم تصوير أي مشهد منه. ناصر القصبي وعبدالله السدحان