الحوادث المرعبة (أي المميتة والمسبّبة للأعاقات والعاهات الدائمة) في المملكة معظمها، ان لم تكن كلها، تحدث في الطرق السريعة وسببها السرعة ألزائدة. أما الحوادث التي تحدث في الطرق العادية في المملكة فهي رغم أن عددها أضعاف أضعاف عدد حوادث الطرق السريعة، فأنه يمكن توزيعها بين مختلف درجات شدة الحادثة. فقليل ألقليل (ان لم يكن النادر) منها يسبب الموت أو عاهة دائمة، وبعض القليل منها قد يحتاج للتنويم في المستشفيات ثم العودة الى الحياة كأن شيئا لم يحدث، والبعض الآخر قد يتطلب دخول المستشفى للتأكد من سلامة المصابين وتقديم الاسعافات الأولية ثم التسريح باحسان. لكن السواد الأعظم من حوادث الطرق الجانبية بسيطة تراوح بين فض - أو انتهاء - الحادثة بأن يتحمل الصادم تكاليف اصلاح سيارة المصدوم في الصناعية، أو تكون - غالبا - من نوع ما هو متعارف عليه بأن يوجّه رجال المرور المتصادمين أن على كل واحد أن يصلح سيارته. أوّل اعتراض سيوجّهه المرور على تصنيفي للحوادث في المملكة وفقا للتوزيع المذكور في الفقرات أعلاه هو: من أين أتيت بهذا التوزيع العشوائي وما مصادرك أو هل قمت بأجراء، أو اطلعت على دراسة توصّلت بها لهذه النتائج، أم مجرد تخرّص بالغيب وضرب على الودع؟. أنا لم أقم بأجراء، ولم أطلع على دراسة، ولكن استنتاجاتي مبنية على ما يسمى educated guess وهي طريقة علمية يعتمد فيها المحلل - عند غياب الاحصائيات - على تجاربه وملاحظاته ومدى مهارته وقدرته على استقاء الحقائق من ما يراه في الواقع ويسمعه من الناس أو يقرأه في وسائل الاعلام. وفقا لتصريحات مدير عام الصحة الوقائية بوزارة الصحة، وبعض الجهات ألأخرى، ساهر استطاع أن يخفّض معدل حالات الوفاة من 37 الى 20 حالة في الشهر أي بنسبة 45.9% (جريدة الرياض العدد 15350). اسألوا المرور ما نسبة الوفيات والاعاقات في الحوادث التي تحدث عند كل مستوى من مستويات السرعة. ستكون اجابة المرور أن نسبة الوفيات ترتفع مع ارتفاع سرعة السيارة الى ان تصبح قريبة من 100% فيما فوق 130 كيلو متر وتنخفض بانخفاض سرعة السيارة حتى تصبح قريبة من الصفر، اذا كانت السرعة اقل من 50 كيلو مترا في الساعة. يلاحظ أن نجاح ساهر هو نجاح نسبي فقط؛ لأن 20 حالة وفاة في الشهر الواحد في مدينة واحدة لاتزال أشبه ما يكون بالانتحار الجماعي وهذا يجعلنا نحتاج لنظام اقوى من نظام ساهر لخفض الحوادث المميتة ومن المؤكّد أنه لا يوجد نظام أقوى من نظام تحديد سرعة السيارة من المصنع. نظام ساهر - ربما - حقّق بعض النجاح في الطرق السريعة المحيطة بالرياض، ولكن لم يستطع حل مشاكل الطرق الجانبية داخل الرياض - ربما - بسبب انشغاله بالطرق السريعة. ولذا من الأجدى أن يتفرغ ساهر للطرق الداخلية، ويترك الطرق السريعة لتحديد سرعة السيارة من المصنع وفقا للمزايا النسبية لكل من النظامين، الطرق الداخلية غير السريعة، لا تحتاج لكل شارع سيارة بعداد محدد - على حد تعبير أحد المعلقين - وانما تحتاج الى مرور يقظ. ونظام ساهر يمكنه أن يقوم بدور رجل المرور اليقظ. اكثر من عشرة من المعلقين الذين علقوا على مقالي بعنوان: «نظام ساهر وتحديد سرعة السيارة من المصنع» المنشور قبل اسبوعين في الرياض الاقتصادي يستشهدون بألمانيا (الدولة الوحيدة التي لم تفرض حدا أقصى على طرق الاوتوبان واكتفت بسرعة ارشادية لا تجاوز 130 كم وفي حالة حدوث حادث فإنها تحمّل الخطأ للسائق الأسرع. لكن الذي يقرأ تعليقات بعض المعلقين يخيل له ان السيارات في طرق المانيا تطير بسرعة 300 كيلو متر، أحد المعلقين يقول بالنص: «انت نسيت طرق المانيا التي لا يوجد سرعة محددة.. يعني تمشي 300 كم». لم أنس - ولكن ليس من سمع كمن رأى - فمن تجربتي الشخصية على مدى ثماني سنوات كنت اسافر لألمانيا ثلاث مرات - على أقل تقدير - في السنة الواحدة لحضور اجتماعات اللجان المتفرعة من اتفاقية المناخ وكنت افضّل النزول في مطار فرانكفورت ثم اّخذ القطار وأحيانا السيارة الى بون (مقر الاجتماعات) فلم اشعر ان السيارات - بين فرانكفورت وبون - تسير بسرعة أعلى كثيرا من سرعة السيارات بين ديترويت وشيكاغو - على سبيل المثال. بل الذي يبدو لي أن سيارات الشحن الكبيرة في امريكا تسير بسرعة أسرع من سرعة سيارات الشحن في المانيا. * رئيس مركز اقتصاديات البترول «مركز غير هادف للربح»