تحدثتُ في المرة السابقة عن الذكاء الوجداني، وعن أهميته في الحياة ونجاح الشخص وفعاليته في المجال الأسري والمهني والاجتماعي. وختمت المقال بفكرة هل الذكاء الوجداني موروث أو لا؟ وبالتالي هل توجد برامج لتنميته ؟ وفي الوقع إن أهم ما يميز الذكاء العاطفي من وجهة نظر الباحثين أنه أقل من الذكاء العقلي من حيث وراثته، وهذا يعطي فرصة للمعلمين والوالدين والمربين إجمالا لتنميته ورفع سقفه لدى الأفراد. ويأتي ذلك عن طريق تعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم ورغباتهم بوضوح، وأيضا تركيز الانتباه على الآخرين وما يقولونه وحتى ما لا يقولونه! وذلك للوصول إلى درجة وعي مناسبة لمشاعرهم وفهم احتياجاتهم، وإظهار حُسن الاستماع وتوجيه الأسئلة لهم للاستيضاح منهم عن ما قالوه وطلب تفاصيل أكثر، ناهيك عن التواصل البصري مع المتحدث والتعبير له عن المحبة والمودة. ولا ننسى التعاطف معه وإخباره بأنك تشعر بمشاعره وتستطيع أن تفهم لماذا يتصرف بهذه الطريقة أو شعر بهذا الشعور، وأيضا تعليمهم الانفتاح على الآخرين بغض النظر عن خلفياتهم وجنسهم ومظهرهم وثقافتهم ومستواهم المادي. أذكر تجربة قامت بها مدرسة نيوهافن New Haven في أمريكا، حيث طورت برنامجا لتنمية الذكاء الوجداني من الصف الأول ابتدائي إلى المرحلة الثانوية يتناول جميع مهارات الذكاء الوجداني، بحيث يعطى إما كمادة منفصلة أو كجزء من مقررات الصحة ومقرر مهارات الحياة. وقد قاسوا استفادة الطلاب منه، فوجدوه مؤثرا حيث حسّنت هذه المهارات كثيرا من جودة حياتهم وصحتهم النفسية. ولقد قامت جامعة هارفارد الشهيرة بدراسة تتبعية للطلبة ذوي الذكاء العقلي المرتفع وغيرهم ممن يتمتع بذكاء اجتماعي مرتفع، ولقد وجدت الدراسة أن الفئة الأخيرة كانت أكثر نجاحاً في حياتها من الأولى. أعتقد أن الالتفات للذكاء الوجداني وتفعيله سواء في التعليم أو في التربية أو في العمل أو في الأسرة مهم وضروري جدا وقد يحل لنا الحيرة التي تصيبنا من جراء رؤية أشخاص أذكياء في التحصيل الأكاديمي لكنهم متعثرون في علاقاتهم وحياتهم الاجتماعية. عندها نقول فتش عن الذكاء الوجداني، فليس الذكاء العقلي وحده كافيا أليس كذلك؟