يبدو أننا مجتمع تائه ، ضائع ، مذبذب ، لايتكئ في مساراته على أطر واضحة ، ورؤية مستشرفة ، وليس في مقدوره تحديد خياراته الحياتية التي يمكن أن يكرسها كمنهج واضح وعقلاني يصيغ عبرها مستقبلاته ، وهويته الإنتاجية ، وتطلعاته في صناعة واقعه ، وأزمنة أجياله القادمة إن من حيث أن يكون فاعلا في مجالات الصناعة والاقتصاد ، وإن في توجهاته التربوية والتعليمية والفكرية ، والتركيز على التعليم التقني ، والعلوم الحديثة ، واللحاق بمسيرة الحداثة، والتحديث ، والتعامل مع التحولات ، والمستجدات ، والمتغيرات في المفاهيم ، وأنماط الحياة بشكل تصالحي وعاقل ، وإن في رؤيتنا للآخر وأنه شريك أساسي لنا ، أو نحن شركاء له في صنع الحضارة الانسانية ، وتطور الإنسان ، ومحاربة كل ما يحبط ويهزم الكائن البشري من تخلف ، وجهل ، ومرض ، وإبعاده عن دوره المفترض في ممارسة الخلق ، والإبداع ، والتنوير كأسس ضرورية لحياة تبتعد كثيرا جدا عن الحروب ، والدماء ، واغتيال كرامة الشعوب ، وإقصاء إراداتها في تحقيق الامن الاجتماعي ، والغذائي ، والنفسي . يبدو وهذا مؤلم ومحبط أننا مجتمع لم ينضج بعد ، وليس هناك أفق للنضوج ، فرؤيتنا غير واضحة تماما ، هذا على افتراض أن هناك رؤية ، وخياراتنا لم تؤخذ ونحن في القرن الحادي والعشرين ، فنحن مجتمع مشوش ، أو بعضنا مشوش الذهن ، والفكر ، والقناعات ، ليس لدينا ثوابت حياتية منهجية ، وأغلب الظن أننا في حالة ضياع وتيه في هذا الكون الذي سماته الإنتاج، وإثراء البشرية بالمنجز العلمي ، والثقافي ، والتنويري . ونحن سادرون في عصبيتنا ، وشوفينيتنا ، وقبليتنا ، ملتهون كما بني تغلب مع قصيدة عمرو بن كلثوم ، والتغني بتاريخ يجب أن يُقرأ قراءة نقدية منصفة ، وواعية ، وعاقلة ، وممنهجة لكي نتبين الداءات ، والاوجاع ، والانهيارات في واقعنا المحبط والذي هو في واقع الحال لايشي بالتفاؤل، ولا بالأمل . أنطلق في هذه القراءة من تناقضات حادة ، وعنيفة في الفضاء الاجتماعي ، ففي الوقت الذي نحتفي ونفرح ، ونهلل ونصفق لما يقارب التسعين ألف طالب وطالبة يصيغون عقولهم ، وينشطون مداركهم في جامعات أميركا وأوربا وبعض قارات العالم ، وننتظر عودتهم ليكونوا مؤثرين في الحراك الاجتماعي ، فاعلين في إنتاج التغيير الحياتي ، وتكريس المفاهيم المحاربة للبلادة ، والتقوقع ، والانزواء ، وأخذ المبادرات الجريئة في إعادة رسم التوجه الاقتصادي ، والمعرفي ، ومحاربة الاتكالية ، والعجز، والهروب التي لانخجل ، ولانختبئ إذا ماقلنا إنها سمات بعض هذا المجتمع . في هذا الوقت فإننا نحزن ، ونتألم ، ويجتاحنا التفتت لكي لانقول الخزي من بعض الانسان السعودي الذي يفجر ، ويقتل ، ويسيل الدماء في العراق وأفغانستان ، وأخيرا اليمن نتيجة ثقافة متكهفة ، ظلامية تبتعد عن الدين وجوهره مسافات طويلة .. والسؤال .. أي مجتمع نريد ، ماهي خياراتنا ؟