يعتبر سوء استخدام التقنيات الحديثة ممثلاً في "الهواتف النقالة" من أبرز الظواهر التي بدأت تنتشر في المجتمع، ويتضح ذلك من خلال طول فترة المحادثات الهاتفية؛ بل إن بعض النساء قد يلجأن إلى عقد اجتماعات مطولة وحوارات هاتفية لساعات عديدة؛ يتطرقن من خلالها إلى الشؤون المنزلية والحديث عن الأزياء وإعداد الطعام و"دردشة" في أشياء ليست لها فائدة مثل الحديث عن "فلانة وعلانة"، مما يترتب عليه فواتير بمبالغ فلكية ترهق كاهل رب الأسرة. طبيب ومهندس تقول "ليلى الدغيم": إن ظاهرة سوء استخدام تقنية الاتصالات استشرت بشكل لافت؛ ويتضح ذلك من خلال إجراء اتصالات مطولة مع الصديقات في أمور حياتية عابرة لا تتطلب كل هذه الفترة، وأرى أن الشخص الأجدر بحمل الجوال واستخدامه هو رجل الأعمال والطبيب والمهندس؛ بالإضافة إلى الأشخاص الذين تتطلب طبيعة عملهم التحرك في عدة مواقع؛ أما منح الجوال للأطفال والخادمة والسائق؛ فهذا يمثل صورة من صور التبذير الذي لا مبرر من ورائه سوى إرهاق ميزانية الأسرة. وتضيف اقتناء الجوال يمثل من وجهة نظري مظهراً تجميلياً؛ في حين يشكل في نظر الآخرين أهمية بالغة بحكم طبيعة أعمالهم التي تقتضي استخدامه، ويلاحظ أن نساء كثيرات يحملن الجوال بلا ضرورة؛ فيما تعمد أخريات إلى اختيار لون الجوال مع لون الحقيبة والحذاء؛ ويفشلن في تبرير الثرثرة اليومية فور تسلم فاتورة مبلغ كبير. إرباك الحسابات وتستعرض "أسماء القحطاني" جانباً من عواقب استخدام الجوال بلا مبرر؛ بقولها: تجاوزت فاتورة جوال أختي التي تتحدث إلى خطيبها مبلغ 20 ألف ريال تكفل بدفعها العريس؛ وكان الأجدر دفع هذا المبلغ في أشياء تعود بالفائدة على الزوجين، مضيفةً أن الترشيد في كافة أمور حياتنا مطلب وضرورة دعا إليها الإسلام؛ ولابد أن تسعى الأسرة إلى نبذ المظاهر الخداعة ممثلة في الإكسسوارات التجميلية وعلى رأسها الجوال؛ والذي من المفترض قصر استخدامه على الاتصالات الملحة؛ وعدم منحه للأطفال وكافة أفراد الأسرة دون تقنين؛ لأن عواقب اجتماعية واقتصادية يجب مراعاتها قبل التفكير في منح الجوال لشخص ما؛ إذ لابد أن يكون الشخص الممنوح على قدر من الوعي في أحكام استخدام هذه التقنية بكل عقلانية؛ ولتوفر هذه الشروط أرى أن يكون قصر الجوال على الوالدين والأبناء الأكبر سناً، فليس هناك ضرورة تحتم حمل كافة أفراد الأسرة له؛ وليس من الأهمية منح ذلك السائق والخادمة؛ فتكون المفاجأة المذهلة لرب الأسرة فواتير فلكية تربك حساباته مادياً. ليس للثرثرة وتشير "منى الكثيري" إلى أن كثيراً من الفتيات لا يملكن الوعي الكافي للحد من هذه الظاهرة؛ فيرى أكثرهن أن استخدام الجوال بشكل متكرر طوال اليوم يعوض عن خروجهن من المنزل؛ وبالتالي يسرفن في استخدامه لساعات طويلة بلا جدوى؛ مستطردةً بدأت ظاهرة انتشار الجوال في أيدي صغيرات السن؛ واللواتي يستخدمنه للتجمل والزينة ولفت الأنظار؛ مع عدم امتلاكهن للوعي الكافي والرؤية الكافية لأبعاد سوء استخدامه؛ فالتقنية لم تخترع عبثاً وإنما لخدمة الإنسان وتسهيل شؤونه بلا إفراط أو تفريط وليس للثرثرة وإضاعة الوقت في أشياء لا تجدي. رقابة متصلة وتضيف "سميرة القحطاني": تسيء صديقاتي استخدام الهاتف الجوال في ثرثرة لا طائل من ورائها سوى مبالغ باهظة تدفعها الأسرة مرغمةً، وهذا يحتم ترشيد استهلاكه بالرقابة المتصلة من قبل الأبوين؛ وعدم منح الجوال للأطفال القاصرين بقصد المفاخرة، مؤكدةً على أن النتائج السلبية الناجمة عن سوء استخدامه تتمثل في قضاء ساعات طويلة في محادثات لا جدوى من ورائها؛ وتكون النتيجة الحتمية لهذا الإفراط من جانب الآباء فواتير قد تصل قيمتها إلى 18 ألف ريال؛ وهذا الرقم من الصعب تقبله أو تمريره وغض الطرف عنه، وللأسف أن هناك أسراً أنعم الله عليها بالخير الوفير، ولكن أساءت استخدام الجوال دون ترشيد، مما أوقعها فيما نهى عنه الإسلام. قطع خط الهاتف وتتطرق "حنان" إلى سلبيات سوء استخدام الهاتف بقولها: لقد سبب لي العديد من المشاكل مع زوجي؛ فأنا أمضي الساعات الطوال في أحاديث هاتفية مع صديقاتي؛ وكثيراً ما أقدم زوجي على قطع خط الهاتف في المنزل في محاولة لمنع هذا الإدمان في الحديث مع صديقاتي. أضرار اجتماعية وتقول "لطيفة سلمان" أستاذة علم الاجتماع إن الهوس في استخدام وسائل الاتصال ممثلة في الهاتف الثابت والجوال؛ أضر بالفرد كوحدة والمجتمع ككل؛ ولسنا بعيدين عن ما يجري في العالم من تطور وثورة اتصالات، غير أن العديد من الناس أصبح مع إساءة استخدام وسائل الاتصال يدفع المبالغ الباهظة ثمناً لهذا الأسلوب الخاطئ، وتكمن المشكلة الأساسية في المخاطر النفسية نتاج الاستخدام السيئ ؛ فالبعض يعاني مشكلات نفسية منها الخجل والانطواء وعدم القدرة على المواجهة الصريحة، ومن أهم الأضرار الناتجة إضاعة الوقت وتكريس فكرة الحديث عبر الهاتف تفادياً للمواجهة المباشرة؛ بل من الممكن أن يقع الشخص نتيجة لأكاذيب الطرف الآخر، ومن سمات الشخص الذي يفرط في استخدام الهاتف عجزه عن المواجهة والشعور بالفراغ أو الوحدة؛ وبالتالي اللجوء إلى سلوكيات مرفوضة كالمعاكسات وإزعاج الآخرين وما يترتب على كل ذلك من أضرار اجتماعية. بلا تفريط وتتطرق "كوثر محمود" أستاذة علم الاجتماع إلى سلبيات وإيجابيات الهاتف بشكل عام بالقول: إن ظهور الهاتف الجوال أصبح ظاهرة منتشرة وإحدى الضروريات الملحة؛ شريطة تقنين استخدامه بالطرق المثلى؛ لأن هناك مخاطر عديدة أفرزتها التقنية يتطلب التعامل معها بحذر؛ فهناك جوانب طبية وهناك سلبيات اجتماعية؛ لذا يتحتم على الجميع استخدامه بلا تفريط والتقنية على الرغم من توفيرها وسائل الراحة إلا أن العلم والطب الحديث يثبت كل يوم مضار تلك التقنيات ويحذر منها. المخ والمخيخ ويؤكد "د.أحمد فهمي" استشاري المخ والأعصاب، أن هناك تأثيراً مباشراً لأجهزة الجوال على المخ والأعصاب؛ حيث يصدر الجوال موجات كهرومغناطيسية قوية جداً تؤثر على المخ؛ عبارة عن دوائر كهربائية تتحكم في كافة أعصابه؛ وعند استقبال الاتصال فإن التأثير على كهرباء المخ في فترات التجميع حيث تصل إلى 60 سم؛ مما يؤدي إلى التأثير على المخيخ؛ فضلاً عن ضعف الأذن الداخلية وتأثير ذلك على نشاط الخلايا. دراسة طبية وكشفت دراسة طبية حديثة أجريت في المملكة عن أضرار أكيدة لاستخدام الهاتف المحمول على الأذن والأذن الوسطى؛ حيث أشارت الدراسة إلى تأثر قدرة السمع مع طول مدة الاستخدام، وقدم "د.إبراهيم شامي" استشاري الأنف والأذن والحنجرة وطبيب زمالة جامعة الملك سعود لطب وجراحة الأذن مؤخراً نتائج دراسته التي أجراها بمستشفى الملك عبد العزيز الجامعي لمعرفة مدى تأثير الجوال على الأذن وحاسة السمع؛ في الاجتماع الثامن عشر للجمعية السعودية للأنف والأذن والحنجرة في مدينة أبها الذي عقد مؤخراً؛ وضمت الدراسة ثلاثة وستين متطوعاً أصحاء، أجرى كل منهم مكالمة بالهاتف الجوال لمدة ساعة كاملة؛ وقد أجري لهم فحص للسمع قبل وبعد المكالمة مباشرة؛ إضافة إلى توزيع استبيان على كل فرد بالعينة، وقد تبين من الفحص وجود نقص بالسمع في الترددات السمعية الوسطى بعد التحدث بالجوال؛ وكانت الأعراض المصاحبة لاستخدام الجوال كالتالي ألم وحرارة بالأذن (47.6%) ثم الصداع (19%) والدوار والدوخة (9.5%) والطنين (6.3%). صحة الأطفال وأوضح "د.عبد الرحمن السنوسي" عضو هيئة التدريس بكلية الطب جامعة الملك سعود والباحث الرئيسي بالتجربة، أن الدراسة تعد الأولى من نوعها لمعرفة تأثير استخدام الجوال لفترة طويلة على حاسة السمع؛ حيث يعتقد بأن استخدام الجوال في المملكة يفوق استخدامه في بلدان العالم؛ وقد أوصت الدراسة بالتقليل من استخدامه، كما أوصى الباحثون بدراسات أخرى لتقييم التأثير المتراكم لاستخدام الجوال وخاصة لدى الأطفال لحمايتهم من هذه التقنية التي قد يساء استخدامها؛ مما ينعكس سلبياً على صحتهم وقد تظهر آثاره السلبية بعد تقدمهم في العمر.