جاء القبض على الإرهابية هيلة القصيّر ليؤكد ما قلناه مرارًا من أن التعامل الشعبي وبعض الرسمي مع الإرهاب لا يتناسب وحجم الجرم ، فمازال رجال الأمن يبذلون جهودًا بارعة في محاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه وإفشال خططه ، وفي الوقت نفسه يبقى كثير من ذوي التأثير في المجتمع كأئمة المساجد ومشايخ الفضائيات ورجال الدين ، ووزارتيْ التربية والتعليم والثقافة والإعلام مجرد مصفقين وهتافين لما يحققه رجال الأمن ، فلا نكاد نسمع عن خطط توعوية ولا خطابات رسمية وشعبية ، ولا برامج توجه للمواطنين من باب تكامل الأدوار لفضح الإرهاب الذي يقتات على التشدد والعاطفة الدينية . جاء القبض على الإرهابية هيلة القصيّر ليؤكد ما قلناه مرارًا من أن التعامل الشعبي وبعض الرسمي مع الإرهاب لا يتناسب وحجم الجرم ، فمازال رجال الأمن يبذلون جهودًا بارعة في محاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه وإفشال خططه بداية نتساءل كيف تلقت تلك الدوائر خطاب المارق سعيد الشهري الذي يعج بمفردات التكفير والتخوين ، ويحرض فيه على جمع المعلومات والأموال ، وتشكيل خلايا للخطف والتدمير والقتل ، انتقاما لتلك الإرهابية ؟ هل تخيلوا كيفية تلقي البسطاء كلام ذلك المجرم ؟ في وقت لم يظهر خطاب مضاد ديني أو تربوي أو إعلامي يبين لهم من هو المجرم والمرتد ، ومن يورط النساء ويحرضهن على خيانة وطنهن وتحويلهن إلى مجرمات ؟ وأن اللين والتسامح والصبر الذي يُعامل به الإرهابيون هو ما جرّأ الإرهابيات على العمل ضد أمن الوطن ! ما يؤكد أن خطابنا المناوئ للإرهابيين خطاب مائع غير مسؤول ، ولا نعلم هل ينتظرون أن تتحول بلادنا بؤرًا مشتعلة كما في العراق وأفغانستان ليبادروا إلى فعل ما تقاعسوا عن فعله كل هذه السنوات ؟ لاريب أن انخراط أعداد كبيرة من النسوة في منظومة الإرهاب تبنياً ودعماً ؛ مؤشر خطير يعني اختراق قلب المجتمع ؛ نظراً لطبيعة المرأة التي تؤهلها للقيام بما يعجز الرجل الإرهابي عن القيام به ، فهي فرد في أسرة تضم نساءً ورجالاً ، وتعمل في المدارس والجامعات ومعاهد تحفيظ القرآن ، و تستطيع الدخول للمجتمعات النسائية العامة والخاصة ، ولبعض النسوة نشاط دعوي ومهارة في التعامل مع الإنترنت ، إضافة إلى أن رجال الأمن لا يتعاملون معهن كما يتعاملون مع الرجال ! كل هذا يضفي على إجرامهن تميزًا ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، قبل أن يأتي يوم يقمن فيه بإعداد انتحاريات متطرفات يردن دخول الجنة ، أومعاقات كما في العراق ، أو منحرفات ترفض أسرهن استقبالهن فيُستدرجن بدعوى الزواج من إرهابيين لا يعلمن حقيقتهم ، ثم يجهزن للتفجير! يجب ألا نستهين بالمرأة المؤدلجة وقدرتها على فعل ما تؤمن به عندما تترسخ في عقلها عقيدة الإرهابيين . كيف تصبح المرأة إرهابية ؟ 1 - استخدام الديني ذريعة لتبرير الإرهاب ، فكل شيء قابل للنقاش ما عدا الدين الذي يتخذه الإرهابيون والإرهابيات وسيلة للوصول إلى عقول من كان تأهيلهم الديني ضعيفًا ، أو من تلقى الدين عن مدرسين ومشايخ متطرفين .. 2- الوضع الاجتماعي البائس لبعض النسوة يساعد على الغلو الديني والتطرف ، ناهيكم عن أن مجتمعنا مجتمع ذكوري يعدّ المرأة تابعة لولي أمرها مجبرة على طاعته حتى وإن كان إرهابيًا ، فيقوم باستغلالها في أعمال إرهابية ، والتلاحم الأسري يمنعها من الإبلاغ عنه فتفضل أن تطيعه مرغمة على أن تتقدم بشكوى تعاني فيما بعد من تبعاتها. 3- ضعف الإجراءات الأمنية نحو المرأة بحكم العادات والتقاليد ، وهذا ما تحرص الجماعات الإرهابية على الإفادة منه ، إذ تقتصر متابعة المتطرفين من الرجل دون النساء ، على الرغم من تنامي أدوارهن محرضات وداعمات وممولات ، إذ يعقدن ندوات خاصة يدعون فيها للجهاد في منازلهن وفي تجمعات نسائية معزولة كالمناسبات العائلية والتجمعات النسائية والمدارس ، حتى المستشفيات و العيادات الطبية ، مما يعني صعوبة متابعة أفكارهن بحجة أنهن يتحدثن في العلم الشرعي. 4 - قدرة المرأة المتطرفة على التأثير في الصغيرات والساذجات من الثريات وغيرهن ، بخطاب ديني متشدد ينفّر من الحياة ، ويرغّب في الآخرة ويؤجج العاطفة المتعطشة للفوز بالجنة ، مما يُمكّن من السيطرة عليهن فيستجبن بالتبرع التماسا للتطهر من أوزار الدنيا . وهذا مورد من أهم موارد الإرهابيين ، فضعف الرقابة على الأوساط النسائية المتطرفة يسهّل للإرهابيات القيام بكل ما يطلب منهن . 5 - سهولة تأثر المرأة البسيطة والملتزمة ببعض الداعيات اللاتي اتسمن بالغلو المنافي لوسطية الإسلام واعتداله ، ونظرًا لدور الأم في تشكيل شخصية الفرد وميوله واتجاهاته فإنها تنجح في زرع بذور التشدد فينمو التطرف بين أفراد أسرتها وأقاربها ، وتأخذ في فرض ما تعتقده على الجميع ، فلا يعترض أحد ليقينهم أنها إنما تمارس دورًا دينياً ، غير مدركين أنها تسلك أكثر مسالك الدين تضييقاً مما اختاره شيوخ التشدد . كما يمكن لتلك المرأة أن تؤدي دورًا رئيسًا في التجنيد وتغيير قناعات الزوج أو الأبناء فتدفعهم للانخراط في زمرة الإرهابيين . وهذه حال بعض النسوة اللاتي لا يفهمن حقيقة الدين ويمارسنه عن جهل . أما فيما يخص الخطاب المناهض للإرهاب ، فعلى صعيد المسجد ما زلنا نجد تراخيًا في التحذير من الإرهاب وأربابه ، ولا شك أن لخطيب المسجد بحكم موقعه تأثيرًا بالغاً على الناس ، فكثير منهم يحذرون من النساء ومن الاختلاط ومن عمل المرأة ، ويحرضون الآباء والأزواج على نسائهم ، لكننا لا نسمع صوتاً لبعضهم تحذيرًا من الإرهابيين وفضحًا لخططهم المدمرة ، وإن حدث فلا يعدو الاستجابة لتعليمات وزارة الشؤون الإسلامية . أما نجوم الفضائيات من الدعاة فقد شغلتهم أموالهم - التي يجنونها بأرقام فلكية - عن تحذير الناس من الإرهابيين ، فأيّ داعية خصص حلقة من برنامجه للحديث عن القاعدة وخططها وخطرها في تجنيد النساء ؟ كم واحداً توجه لمخاطبة النساء والشباب محذرًا وفاضحًا أولئك الإرهابيين ؟ ولماذا لانجد عندهم حماسًا لما يحدث في بلادنا كحماسهم لغزة حدّ أن أحدهم تفتق ذهنه عن تسجيل برنامجه في القدس ؟ لماذا لم نسمع صوتًا لأولئك الذين تقافزوا بين الفضائيات للحديث عن جامعة الملك عبدالله والاختلاط ؟ بينما يصمتون في موضوع الإرهاب صمت القبور ؟ لِمَ الاختلاط حرام على النساء الكادحات الباحثات عن عمل شريف ، وحلال للإرهابيات ؟ هل تساءلوا عن حكم تنقل هيلة القصيّر من مكان لآخر دون محرم ؟ هل ناقشوا بقاءها دون محرم في مزرعة مع عمال وفتية قامت بتجنيدهم ؟ ما الذي برر اختلاطها بهم ؟ ثم من الأحق بالمراعاة والتفهم ، امرأة كادحة تحاول أن تجد وظيفة تغنيها وأسرتها ، أم امرأة إرهابية كافرة بنعمة الأمن جاحدة لتعاليم الدين خائنة للوطن ، تجمع الملايين لتدمير بلادها ؟ أسئلة لن نجد أجوبة عنها لدى هذه الفئة التي احترفت الانتقائية في معالجة قضايا المرأة ! ولعلنا نضرب مثلاً بأحد أولئك الانتقائيين الذي استقال من المجلس البلدي احتجاجًا على جرعة فرح استمتع بها أهل الرياض في عيدهم ، بحجة وجود مخالفات شرعية ، لكنه يلتمس مبررات لتلك الإرهابية بقوله إنه : " تولد عندها شيء من الضغوط النفسية وحب الانتقام... وأن بساطتها وعفويتها جعلاها - بعد مقتل زوجها- ترى أن كل من يحمل هذه الفكرة هو مقرب لزوجها " ! وما أورده غير صحيح إذ تشير كل الوقائع إلى أنها إنسانة راشدة ولديها من القوة والبأس الشديد ما جعلها تصر على الزواج من شخص يعيش في ردهات الماضي مع معارضة أهلها ، ثم تطلب الطلاق لتتزوج آخر ، وبعد أن قتل تبحث عن زوج ثالث ، ثم تغيب عن أهلها أشهرًا عدة متنقلة من مكان لآخر، ساعية لجمع مبالغ طائلة ترسلها لمارقي القاعدة عبر مناطق وعرة ، ثم تستقر في مزرعة مع جمع من العاملين فيها أوهمتهم أنها تاجرة ولديها العديد من أعمال الاستيراد والتصدير لدول أجنبية ! ، فهل هذا سلوك امرأة بسيطة وعفوية تعاني مشكلة نفسية ، أم سلوك امرأة صلبة واعية لديها فكر إرهابي مترسخ ، يجعل أيّ تبرير لأفعالها خيانة للوطن وللأبرياء وللدين الذي تتحرك في جهالاتها باسمه ؟! وفيما يتعلق بالإعلام المشغول ببرامج مملة يقوم على بعضها غير بني جلدتنا خصوصاً برامج المرأة والأسرة ، نتساءل أين البرامج الإذاعية والتلفازية الموجهة للمواطنين في أرجاء الوطن ، لاسيما الذين مازالوا يستمعون لقنواتنا ولإذاعتنا؟ أين هي رسائل التوعية التي ينبغي أن تبث خلال البرامج محذرة من الإرهابيين وكاشفة لخططهم ؟ إننا لا نجد شيئا من هذا عدا برامج قليلة توجه للنخب ولا يفهمها البسطاء من الرجال والنساء الذين يستهدفهم الإرهابيون ، أما التعليم فما زال يعج بعدد لايستهان به من المتعاطفين والداعمين والمسوغين للإرهاب ، والتشدد الديني وما يتصل به من أنشطة ضارباً أطنابه في المدارس ، بدليل ما تنشره الصحف من أحداث كلها تنبئ بأن معالجة التطرف في التعليم لا ترقى إلى حجم الأخطار التي تتربص بالوطن . أخيراً مما تجدر ملاحظته في هذا السبيل : أولا : تشكّل مناصحة الإرهابيين " من غير المغرر بهم " صدمة للعاطلين الذين لم تدفعهم الحاجة إلى خيانة وطنهم ، ففي الوقت الذي تُغدق فيه الأموال على الإرهابيين ، يقف المجتمع عاجزًا عن توفير حياة كريمة للعاطلين ، ويعترض مجلس الشورى على بدل بطالة ، وكأنهم سيدفعونها من مخصصاتهم ( اللهم لا حسد ) ! أفلا يستحق أولئك العاطلون تقدير المجتمع ؟ ثم ألا يدركون السبب الذي يمنع شاباً عاطلا سدت كل الأبواب أمامه من الانخراط في منظومة الإرهاب ؟ مع ملاحظة أن العامل الاقتصادي في بعض البلدان كاليمن والعراق وأفغانستان وباكستان من أهم أسباب الانضمام للإرهابيين . ثانيا : لا تحظ َ بعض المنحرفات الصغيرات اللاتي يشهّر بهن ويسجنّ ويجلدن - مع اقتصار جرمهن عليهن في الغالب - بالمناصحة كالإرهابيات ، فالتعامل مع الجريمتين ينبغي أن يكون واحدًا ، مع الأخذ في الاعتبار أن أهداف الإرهابيات بعيدة المدى ومدمرة للوطن استقرارًا وأمنًا واقتصادًا ، وأن بعض المنحرفات الصغيرات لم يخترن الانحراف بل كن ضحايا . ثالثا : يثير احتساب بعضهم على من وقعوا في فخ القنوات الفضائية ، والإسراع في محاكمتهم - كما حدث مع المتورط في برنامج الخط الأحمر ، مع عدم موافقتنا على ما فعله - كثيرًا من التساؤل ؛ فلماذا يكون الاحتساب والمحاكمة والتنفيذ على هؤلاء دون أولئك ؟ أوَ لايعدّ عقد النية على تدمير الوطن جريمة ؟ إن كان الأمر كذلك فلمَ لا يحاكمون كغيرهم ؟ وكيف سنقضي على الإرهاب إن كان كل ما نفعله مناصحة وإغراءات مادية ؟ أو لم تقض المحاكمات في مصر على الإرهاب هنالك ؟ أسئلة مشروعة لا شك أنها ترد على أذهان بعضنا لكن لا إجابة !!!