الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: بفقد الأمة الإسلامية لعالم من علمائها هو سماحة العلامة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن آل غديان شيخنا وشيخ الأمة وددت أن استذكر بعضاً مما حضر في ذهني عن مآثره وصفاته مع شغل الفكر بأثر فقده رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. فمن صفات منهجه العلمي: -أنه رحمه الله قد نشأ في بيئة علمية يمكن وصفها بالتقليدية من حيث الاهتمام بنوع العلوم التي يتلقاها طالب العلم الشرعي ومع أنه اشترك مع غيره من طلاب العلم الشرعي في مصادر التحصيل، إلا أن نظره قد اتجه إلى أفق المنهج العلمي الواسع في تناول العلوم الشرعية قبل أن تستقر على ما هو واقع في المؤسسات الأكاديمية. ومن ذلك : -أنه أسس لمنهج دراسة أصول الفقه دراسة موسوعية بعد أن كان تدريسه لا يتجاوز المتون المختصرة. -لفت النظر إلى الاهتمام بالمنهجية العلمية في تناول العلوم الشرعية وعلى الأخص ما يتعلق بعلم الفقه وأصول الفقه. -اعتنى بتدريس علوم لم تكن محل الاهتمام في بناء شخصية طالب العلم الشرعي ومن تلك العلوم: -علم المقاصد الشرعية: وقد كان كتاب الموافقات للإمام الشاطبي وكتاب القواعد للإمام العز بن عبد السلام محل الاهتمام الدائم عنده. -وعلم القواعد الفقهية: كلية أو مذهبية على اختلاف المذاهب الفقهية من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة. -وعلم الفروق: الفقهية والأصولية، الفروق بين الفروع أو القواعد فقهية أو أصولية، وقد كان كتاب الفروق للإمام القرافي على قائمة المؤلفات المتعددة في علم الفروق في تدريسها. -والتخريج: على الأصول والفروع: -وجه الاهتمام إلى دراسة العلوم الاصطلاحية وهي ما يتعلق : -بعلم الخلاف: من حيث بيان منهج تناول المسائل الخلافية في علم الفقه وعلم أصول الفقه. فيما يتعلق بتحرير محل الخلاف وكيفية تناول الآراء وكيفية عرض الأدلة والاعتراضات وبيان منشأ الخلاف والموازنة بين الأدلة والترجيح بين الآراء وأثر الخلاف. -وعلم الجدل: فيما يتعلق بكيفية الاعتراضات على الأدلة حسب اختلافها من أدلة شرعية أو أدلة عقلية. -ومصطلحات المذاهب الفقهية وغيرها من العلوم: وطبقات أئمة المذاهب ومصادرهم ومؤلفاتهم. -وعلم المنطق: فيما يتعلق ببناء الدليل العقلي ومصطلحات التصور، ومركبات التصديق. -كانت عنايته رحمه الله في النظر إلى بناء شخصية طالب العلم الشرعي بناء متكاملا بالاهتمام بأنواع العلوم ذات العلاقة بالعلم الشرعي ومنهجية تناول العلوم، وعلاقة العلوم بعضها ببعض. -كان يُعنى بتدريس مداخل العلوم -على اختلافها- ومصلحاتها قبل دراسة المؤلفات فيها، كعلوم القرآن والعقيدة والتفسير والقراءات ومصطلح الحديث وعلم الرجال وعلوم اللغة. -كان من منهجه رحمه الله التوجيه إلى عدم صرف الجهد في شواذ الآراء، ولطائف العلم وملحه، وما ليس له أثر علمي أو عملي وما لا طائل تحته من مسائل تصرف النظر عن الغاية في تحصيل العلم. -كان من منهجه تجاوز الاهتمام بأصول أو فروع يمكن وصفها بأنها غير ممتدة الأثر أو يغني عنها غيرها، ولا تظهر حاجة طالب العلم إليها في تحصيل نوع من العلوم. -لم يختلف منهجه في تدريس العلوم الشرعية في المساجد والحِلق عنه في المؤسسات الأكاديمية، حيث كان نظره إلى العناية ببناء شخصية طالب العلم المنهجية، لا العناية أو الفائدة العارضة. -كان ينظر إلى المذاهب الفقهية وإلى علماء المذاهب ومصادر العلوم ومؤلفاتها، إلى كيفية الإفادة منها، لا إلى كيفية نقدها، حتى لا تمنع مفسدة مغمورة مصلحة ظاهرة. وكان يوجه إلى الاهتمام بجانب البناء في الشخصية العلمية أكثر من الاهتمام بجانب النقد. -ومن صفاته الشخصية العلمية: -أنه بالاستقراء لآرائه ونظرته في تصور المسائل العلمية، ومع تطاول العهد فإنك لا تجد اختلافاً أو تناقضاً في البيان أو التصور، وإنما تجد زيادة في البيان، فتُحصّل عنه نسبة معينة في تصور مسألة ثم تجد أن هذه النسبة قد زادت إما بزيادة تصوره هو أو بالنظر إلى مراعاته للقدر المناسب تقديمه لمن يتلقى عنه وكيف يزيد فيه . -كان على منهج من عاصره من العلماء المقلين من التأليف، أو الذين لم يتركوا أثراً في التأليف يوازي ما يحملونه من علم، غير أن أثره ظاهر في تلامذته، ومن تلقى عنه العلم ، في بحوثهم ورسائلهم ومناهجهم العلمية. -من العلماء من تتلقى عنه حتى تأتي المرحلة التي ترى أنك لا تجد لديه ما يمكن اعتباره إضافة على ما حصلته منه، إلا أنه وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة من تلقي العلم عنه رحمه الله، فإنك تجد نفسك لا تستغني عنه وكأن علمه رحمه الله ليس له غاية تنتهي إليها. -كان ذا فراسة ثاقبة في معرفة الشخصيات، ومنها الشخصية العلمية ومدى الاستعداد الفطري والكسبي في تحصيل العلم لدى المتلقي. -كان يسعى إلى معرفة الباعث على السؤال أو الفتوى ومعرفة التخصص العلمي أو العملي للسائل لما له من أثر في الجواب وكيفية بيانه. -من الفتاوى ما لا يجيب المستفتي عليه لأسباب منها: • كون الفتوى تتطلب معرفة الواقع على نحو معين لا يعرف إلا من قبل صاحب الواقعة. • كونه يرى أن للسؤال أو الفتوى غاية تخالف الظاهر. • كون الحاجة غير داعية لبيان الحكم ولا تظهر مصلحة من بيانه. • كونه يرى أن الفتوى لا بد أن تصدر عن مؤسسة الفتوى. أسأل الله بمنه وكرمه أن يجزي شيخنا خير ما جز به العلماء الناصحين. ورحمنا ووالدينا وجميع المسلمين وجمعنا معه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونفع بذريته وعقبه وتلامذته آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.