احترت في كيفية البدء بموضوع اليوم .. ولكن دعني أسألك : كم مرة فكرت باختراع ما ، ثم شاهدته على التلفزيون !؟ أو لنقل كم مرة خطرت ببالك فكرة ما ثم سبقك اليها شخص بخطوة فقط !؟ ورغم اعترافي بالسمعة السيئة لنظرية دارون الا ان هناك قصة ذات مغزى رافقت ظهورها ؛ فدارون فكر بنظريته قبل عشرين عاما من طرحها علنا . وقبل نشرها في كتاب " أصل الأنواع" وصلته رسالة من عالم آخر يدعى "ألفريد رسل والاس" تتضمن بحثا يشبه نظريته في كل شيء.. وكان والاس بحسن نية يطلب من دارون نقد نظريته قبل طرحها على الملأ . وهنا وقع دارون في حرج شديد فاستشار صديقه الدكتور لييل الذي نصحه بمصارحة والاس وترك الامر اليه . وبطواعية تنازل والاس عن نظريته لدارون ولو لم يفعل لكانت اليوم تدعى النظرية الولاسية بدل الدارونية !! وتوارد الخواطر هذا تكرر كثيرا في تاريخ العلم ؛ فأديسون (مخترع المصباح) وجراهام بيل (مخترع الهاتف) وماركوني (مخترع اللاسلكي) جميعهم سبقوا مخترعين معاصرين لهم توصلوا لنفس النتيجة . وهذه الظاهرة يمكن تفسيرها بأن متطلبات الفترة ذاتها توحي لعدة اشخاص بنفس الفكرة .. أو أن التطور الطبيعي لتقنية معينة يفرض بوضوح الخطوة التالية لها .. أما التفسير الأكثر غرابة فهو : احتمال التقاط الفكرة (لاسلكيا) من ذهن آخر !! فكل البشر يعيشون في محيط مشترك من الأمواج المغناطيسية . وجميع الناس مهما بعدت قاراتهم يشتركون بغلاف جوي واحد يصل الجميع . وحين تبرز الفكرة في رأس احدنا يتولد نشاط كهرومغناطيسي يمكن قياسه (بل واستعماله لتحريك دينمو صغير). وهذا يعني ان المخ يولد موجات (لاسلكية) ضعيفة قد تنتقل الى ادمغة الآخرين عبر الأثير .. ورغم اعترافي بأن انتقال الفكار بين ذهنين فكرة غريبة إلا أنها التفسير الوحيد لظواهر بشرية خارقة مثل التخاطر والتجلي والشعور عن بعد.. ومنذ عهد الاغريق والفلاسفة يتحدثون عن مايسمى العقل الكوني او الجماعي ؛ فأفلاطون مثلا خرج بنظرية "المثل" التي تنادي بوجود عقل واحد يضم كل العقول . ويتحدث الامام الغزالي (في احياء علوم الدين) عن طريقتين لتلقي العلم : الاولى بوسائل الاحساس المعروفة ،! والثانية كشف وفتح يهبهما الله لمن يشاء . وكانت العرب تعتقد ان الجن تُلقي الشعر في ذهن الشاعر وتسرده على لسانه .. والعبقرية ذاتها كلمة اشتقت من واد كثير الجن (يدعى عبقر) يُلتمس فيه الناس ويتخيلون !! وبهذا الشأن يقول الدكتور مصطفى محمود : كل البشر يتمتعون بالقدرة على استقبال الافكار كتلفزيون صغير، ولكن الانبياء مثل تلفزيون بمليون بوصة يستقبل مالا نستقبله نحن .. وفي الثقافة المسيحية يوجد نفس المفهوم تقريبا حيث يورد القس جورج إينزلي (في كتاب Visions) أمثلة عديدة على التقاط افكار مشتركة بين الناس وكيف أن 42% من الامريكان جربوا الاتصال ذهنيا بمن يحبون و67% فكروا بأمور ظهرت لاحقا بنفس التفاصيل!! وقد يقول قائل : حسنا لو سلّمنا بمسألة الاتصال عن بعد ؛ فلماذا يحدث الاتصال فقط بين ذهنين او ثلاثة (ولا يلتقطه كل الناس) ؟ من المعلوم ان الذبذبات الصادرة من أدمغة البشر ليست بالضرورة متساوية (ولاتعمل على تردد واحد). واذا شبهنا الدماغ بجهاز راديو فانه سيلتقط فقط البث الذي يتوافق معه ويتآلف مع ذبذباته .. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف)!!