من ضرورات العناية الوطنية أن تكون على مستوى وعْي جيّد بفروق تفوّق الذات الاجتماعية عن غيرنا.. نحن نعرف جيداً نوعيات تعدّد المشاكل اجتماعياً واقتصادياً وطائفياً، وتعدّد زعامات الخلافات السياسية عند غيرنا.. الأمر الذي جعل العالم العربي إن لم يتوقف تطوراً فهو قد توجه في بعض آخر نحو الانحدار، وبالتأكيد لا توجد أي مبرّرات لهذه التنازلات الوطنية إذا تساءلنا كيف استطاعت الصين التطور وهي فوق المليار مواطن وأكثر من ثلاثة أرباع المجموع السكاني كان في مذلة الفقر.. الشيء نفسه يقال عن الهند.. العالم العربي يملك مقوّمات نمو لكنه أيضاً يملك معوّقات تهميش.. لا يهمني أن أدخل في تفاصيل تخص غيرنا، لكن يهمني مدى تألق وضوح اختلافنا في نوعيّة وتعدّد مسارات التطور التي نعيشها، وكذا في رؤية العالم لنا.. هذه الرؤية الدولية التي تقدّر خصائص مميزاتنا التي يقودنا إليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى زمالة القوى الاقتصادية والعلمية الراقية.. ولذا فإن الدبلوماسية الدولية سياسياً أو اقتصادياً أو علمياً تتحدث معنا عبر تطلعاتنا في تصعيد روابط التكافؤ المتبادل.. ألمس ذلك جيداً وأنا أتابع حوارات سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز مع المسؤولين الكبار في النرويج.. لم تكن لغة المسؤول الذي يتحفّظ ويتناول كل شيء بدءاً بالقضية الفلسطينية ومروراً بالتعاون العلمي والاقتصادي مَنْ يريد ولا يعطي، وإنما بلغة مَنْ يوضّح واقع دولته بأنها في مكانة من ارتفع عن عجز الذاتية إلى كفاءة جزالة مكانة القدرات وتعدّد جوانب مكاسبها المشتركة.. تحدث عن وحدة المجتمع امتداداً بوجاهة تأسيس الملك عبدالعزيز دولة لا تقوم على الطائفية أو القبلية أو احتضان خاص لخصوصية حزبية، ولكن المجتمع الذي بدأ منذ ما يقارب السبعين عاماً والنادر فيه من يجيد القراءة والكتابة إلى حاضر دولة توجد الجامعات المتخصصة في كل مناطقها ومدنها وتندفع قدرات الاقتصاد الجزلة في اتجاهات بناء حضور تقني مميز وكفاءة إدارية مرموقة.. لدينا من كفاءة السيدات المتفوقات علمياً مَنْ وصل إبداعهن إلى مجتمعات التقدّم الحضاري، وأن عدد الابتعاث المحلي إلى أرقى الجامعات الدولية أصبح رقماً قياسياً لا يوجد في أي دولة من دول العالم الثالث.. نحن مارسنا التعاليم الإسلامية كما هي في حقائقها الأولى، ولم تحوّل إلى وسائل صراعات دموية، بل قدّمنا الصور المرغوبة في كل مجتمع احتراماً لكرامة الإنسانية ورعاية للحرية.. ويتناول الأمير سلمان القضية الفلسطينية فيؤكد أننا لم ننتمِ إلى نوعية معيّنة أو نستعين بتعقيدات مساراتها لخدمة مصلحة خاصة، ولكننا مع السلام الشامل وصيانة الحقوق الفلسطينية.. في أكثر من حوار عبر أكثر من مناسبة تقدير في النرويج كانت لغة المسؤولين هناك في الحوار مع الأمير سلمان تبدي تفهّماً عميقاً لجزالة التطورات التي انطلقت إليها المملكة، وفي الوقت نفسه احترام مواقفها واحترام كفاءة قدراتها.. فيبدي رئيس الوزراء رغبته بأن يزور المملكة لزيادة التواصل، ويؤكد مسؤولون اتفاق المملكة مع النرويج عبر وجهات النظر في عدة قضايا مهمة دولياً، وبالذات خدمة مساعي السلام ودعم الاعتدال الفلسطيني..