يعاني كثير من شعراء الجيل السابق (جيل الآباء) من تعرض الكثير من نصوصهم الشعرية للفقد والنسيان إن لم تكن فقدت جميعها، وغالباً ما يكون مرد ذلك إلى عدم وجود المهتم من الأبناء أو الأحفاد في حفظ النصوص المتفرقة وجمع شتاتها في ديوان يوثق هذه التجربة الشعرية لتبقى مرجعاً وشاهداً على مرحلة زمنية في عمر مجتمعنا يستفيد منها الباحث ويستمتع بها القارئ والمهتم بالتراث. وقد أهداني سعادة الدكتور علي العنقري نسخة من(ديوان العنقري) لوالده الشاعر عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العنقري والذي تجاوز التسعين من عمره(متعه الله بالصحة والعافية)وقد قام على إصدار الديوان أبناؤه البررة وقام بجمع مادته وتنقيحه حفيده عبدالعزيز بن محمد وقد صدر حديثاً في طبعه ثانية مزيدة ومنقحة بذل فيها الجامع جهداً مميزاً . وقد جاء الديوان في ثلاثمائة وثمانين صفحة متضمناً عشرات القصائد التي تطرق فيها الشاعر إلى كافة أغراض الشعر كما سيتبين معنا، وقد اشتمل الديوان على نبذة تعريفية عن الشاعر ذكر فيها أن الشاعر من العناقر من بني سعد من تميم وانه من مواليد شقراء في منطقة الوشم لعام1334ه تقريباً وقد نشأ مع والده ممتهناً الزراعة وعندما قارب عمره العشرين عاماً ذهب للظهران والتحق بشركة ارامكو وعمل فيها عدة سنوات وخلال تلك الفترة تعلم اللغة الانجليزية بالاختلاط مع الأمريكان واجتهد في إتقانها حتى أصبح مترجماً مرافقاً لبعثة أمريكية لتطوير مشروع الخرج الزراعي أرسلها الرئيس الأمريكي روزفلت بطلب من الملك عبدالعزيز(طيب الله ثراه) وانتهى الأمر بشاعرنا أن أصبح مديراً لمزارع الأرتوازات الجنوبية بالسهباء عام 1955م،وقد زارته الباحثة أليسون ليرك بصحبة الشاعر عبدالله السلوم (رحمه الله) وأبهرها أن تجد شاعراً وراوياً للشعر يتحدث الانجليزية مما ساعدها في تفسير الكثير من الكلمات والمعاني الغامضة في الشعر الشعبي الذي كانت مهتمة بدراسته. وقد قسم الديوان إلى خمسة أبواب حسب أغراض الشعر جاء الأول في قصائد المديح والمراسلات ويحتوي على كم هائل من القصائد الاخوانية بين الشاعر وأصدقائه والتي تنم عن تمتع شاعرنا بعلاقات اجتماعية واسعة وروح مرحة تجيد رصد المواقف الطريفة. واختص الباب الثاني بقصائد الغزل العذري وتتجلى في جميع النصوص روح شاعرة رقيقة وهناك بعض القصائد التي كتبها على لسان البعض فكانت سبباً في الصلح بينهم وبين زوجاتهم، ومن القصائد الغزلية هذه الأبيات التي يقول فيها : لعل الأقلام واللي من تواليها يدوي به النجم عقب الصاحب الغالي تصبح خرابٍ يغني بومها فيها من عقب ما هي مقرٍ له و مدهالي قمت انشد الدار وين اللي سكن فيها وين الذي فيك طول العام نزالي من عقب يومي الى مريت اراعيها اليوم دونه سراب ِ فنتقن خالي ألازم الريح تسليمي واساليها وين الذي له جبينٍ كنه هلالي أما الباب الثالث فكان للاجتماعيات والنصائح ومنها هذه القصيدة التي يصف فيها التطور الذي حدث في عهد الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه)مخاطباً أبناء الوطن بحمد الله على هذه النعمة ويقول في بعض أبياتها: الحمد للي بدل العسر باللين تحمدوا يا أهل العقول الذهاني المملكة صارت غروس وبساتين مكاين ٍ عقب الصدر والسواني في ظل أبو تركي على النور ماشين نطلب له التوفيق سر وعلاني فتح مشاريعٍ بكل البلادين من المدينة لين حد اظهراني يتعب لراحتنا وحنا مريحين لين اتضح فجر الجزيرة وباني وأختص الباب الرابع من الديوان بقصائد الرثاء ومن ذلك قصيدة مؤثرة قالها في رثاء زوجته رحمها الله والتي منها: يا الله يا جابر عزا كل مفجوع تجبر عزا من شاف شيٍ يروعي فوق النعش شفت اريش العين مجضوع بيحت مكنوني وهلت دموعي قلبي على فرقا هوى الروح مليوع كما يلوع الشعف لدن الزروعي حبه بقلبي بين الاضلاع مزروع وما دلهوني عنه كثرة ربوعي ابو جديلٍ فوق الامتان منسوع اطلب له الجنه سجود وركوعي وقد احتوى الباب الخامس على قصائد متفرقة المواضيع وبعض المرويات التي يحفظها الشاعر من قصص وقصائد قديمة . كما احتوى هذا الباب على بعض المساجلات التي حدثت بين عبدالعزيز العنقري شقيق الشاعر وبين بعض الشعراء مثل سعد البواردي.