كنتُ أتحدث إلى صديقتي، وفجأة وجدتها تستأذن على أن تتصل بعد قليل، ولكن غابت يومين ثم حضرت، ولم أتوقف عند سبب غيابها، ربما لانشغالي، أو لتداخل ركض اللحظات. سألتني ألم تستغربي من غيابي، وعدم عودتي لاستكمال الحديث؟ قلت لها: الأمر بدا بالنسبة لي عادياً، ولا اعتقد أن به ما يلفت للغياب؟ قالت هل تتذكرين فيم كنا نتحدث عندما غادرت؟ بالتأكيد قلت لك تحدثي مع .. صديقتنا المشتركة لأنها في حاجة ماسة لمن يحدثها لوجود مشكلة لديها! قالت: عندما سمعتك تفتحين أبواب المشاكل غادرت سريعاً دون توقف لأنني أعبر ذلك اليوم، أو تلك اللحظة بأجواء إيجابية من الصعب الوصول إليها وفجأة أجد نفسي أعاود الدوران في سلسلة من الإسقاطات السلبية لتلك الصديقة، التي ستبعدني، وستدفع بي بعيداً عن كل لحظة تمكنت من الوصول إليها! غادرت وتوقفت أمام ما قالت، وأمام ذلك الملاذ الآمن الذي وصلت إليه، أو نصل إليه أحياناً ومن ثم نفرّط فيه بسهولة شديدة دون أي قدرة على المحافظة عليه! كنت أسمع جدتي - رحمها الله - وأنا طفلة بعد أن تغادر احدى الجارات، أو الأقارب تتنهد وتقول الله يسامحها (قعدتها نكّدت عليّ، وأنا في حالي لا ليّ ولا عليّ). بمعنى أنها كانت في أمان الله وفي هدوء، وحضرت تلك المرأة بمشاكلها، وحديثها الذي يبعث على الغم، ويجعل من النكد طائراً متنقلاً، وأصابتها بنكدها ثم غادرت. عندما كبرت استوعبت قول جدتي، وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عندما تدخل امرأة، أو نساء محملات بالمصائب التي يقتصر دورهن فيها على النقل فقط ومن ثم المغادرة. الآن استوعب جيداً معنى من لا يزيد دوره في الحياة على التنكيد على غيره، من اختصوا في نقل الكوارث، ومضاعفة هموم المهمومين، من اعتادوا على تفنن نقل الأجواء السلبية إلى الآخرين، وإعادة تدويرها كل فترة، وهذا سر من أسرار وجودههم! هم لديهم مشاكلهم، وتخصصوا أيضاً في نقل مشاكل غيرهم دون مراعاة هل بإمكان الطرف الآخر الاستماع، ومن ثم الاندماج؟ أم أنه مجبر على أن يسمع بحكم الصداقة والعلاقة التي تربط الطرفين؟ احدى قريباتي تقول أظل أهرب من قريبة لي لفترات طويلة وأنا أشاهد اتصالها على الهاتف، واستمرار هذا الاتصال لأيام لمعرفتي بأنها ستغمني بما لديها من اخبار وأنا غير مهيأة لذلك، وأظل أواصل الهروب حتى أقبض على لحظة مواتية أكون فيها في كامل استعدادي للاستماع ولعدم التأثر وأتصل بها، وفعلاً مكالمة كلها سلبية من مرض فلان، وسقوط آخر، ومديونية علان، وطلاق فلانة، وفركشة خطبة - وغيره، وغيره.. الطريف أنه بعد نهاية المكالمة تقول (الله يستر على عباده) سامحيني غثيتك.. ونكدت عليك.. ايش نسوّي.. كل الحياة مشاكل.. أغلق وأنا أقول لها ولا يهمك.. وأصمم بأن لا أعود إلى الاتصال بها! تجرّع الأمور السلبية من الآخرين.. أو حتى الذهاب إليها من الأشياء التي تقوّض اللحظات الجميلة، وتقتل كل ما هو إيجابي! وبالتالي عليك أن تسعى دائماً بأن تبحث عن أمانك الداخلي وما يؤثر فيك لأنه هو الذي يحدد الوضع الذي تصل إليه! من المؤكد أننا نعيش مع آخرين ولا نستطيع أن نعزل أنفسنا بعيداً عنهم وفي اطار عالم محدود، لكن علينا ونحن في اطار المشاركة في دائرتهم لتكريس وجودنا أن نحاول الاستفادة من طبيعتنا الحقيقية التي تعتمد على فهم أنفسنا بوضوح ، والتصميم على اكتشاف ما نفضله، من خلال ايجاد أنفسنا وما يناسبنا. علينا أن نتعلم أن نعيش مع النفس في هدوء دون أن نسمح للآخرين بتخريب هذه اللحظات، أو بالأخطاء الصغيرة بالازعاج! علينا أن نقاتل من أجل الحفاظ على كل ما هو ايجابي حتى وإن كان ثمن هذه المحافظة أعباء كبيرة سنسعى مستقبلاً في التخلص منها دون أن نطرق أبواب تلك اللحظات السلبية أو نستسلم لمن يحاول محاصرتنا بها!