المواقف العصيبة تثير مختلف المشاعر والأحاسيس في نفوس الذين يواجهونها ، وهي مشاعر مختلطة مختلفة من الخوف إلى الإقدام، من الصراع الداخلي إلى التردد والحيرة، وهي مشاعر تختلف باختلاف الناس في قوة بأسهم أو ضعفه، ورجاحة عقولهم أو حماقتها، ورصيد تجاربهم وخبراتهم في الحياة عامة، وفي المواقف العصيبة خاصة، وقد يكون الموقف العصيب فيه تهديد للحياة في حالة حرب تم فيها إحكام الحصار، أو تكون ردة فعل لخبر موجع مفجع، أو مشاعر أم أو أب إزاء ابن عاق شديد العقوق.. والمواقف الصعبة المثيرة كثيرة في هذه الحياة، وبعضها يقف له شعر الرأس، كخبر وفاة الولد أو الأخ أو الأب أو الزوج فجأة وبدون مرض إما بحادث سيارة، والسيارات صارت تحصد الأرواح وصرنا معها - واأسفاه - في حرب ضروس.. * عادة تفيض وتجيش وقد تفيض معها الدموع ويكاد بعض الناس يفقد صوابه في المواقف العصيبة وأمام الأخبار المؤلمة التي تأتي فجأة.. * ورد في حماسة أبي تمام (1/120 المقطوعة رقم 46) أن أعرابياً قتل أخوه ابناً له فقدم إليه ليقتص منه، ففكر ثم تنهد وألقى السيف وقال: «أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدي أصابتني ولم ترد كلاهما خلف من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي (موقف ديك الجن) وهو شاعر من حمص عاش في العصر العباسي، وكان له جارية يحبها جداً اسمها (ورد) - وقيل إنها زوجته - فسافر ودبر له ابن عمه مكيدة أوهمه فيها أن ورداً تخونه مع غلامه فتعجل وقتلها في لحظة غضب ثم بان له براءتها فندم أشد الندم وظل يبكيها بالأشعار كقوله: «يا طلعة طلع الحمام عليها وجنى لها ثمر الردى بيديها روّيت من دمها الثرى ولطالما روّى الهوى شفتي من شفتيها حكّمتُ سيفي في مجال خناقها ومدامعي تجري على خدِّيها فوصق نعليها - وما وطئ الحصى شيء أعز عليَّ من نعليها - ما كان قتليها لأني لم أكن أخشى إذا سقط الغبار عليها لكن ضننت على العيون بحسنها وانفت من نظر الحسود إليها» (في رثاء زوجة) ومن أصعب المواقف وفاة الزوجة المحبوبة الوفية فجأة، تاركة زوجها الذي يحبها وأطفالها أيتاماً يبكون حوله.. يقول شاعرنا الشعبي سلطان بن نمر القحطاني في رثاء زوجته التي ماتت فجأة وكان يحبها وتحبه فوقع الخبر عليه كالصاعقة: «يا معمر الدنيا ترى الوقت غدّار خسران يا من باع دينه بدنياه البارحه نومي هواجيس وأفكار الله حد عزّاه للقلب عزاه لج الضمير وهاض من بعض الاشعار امواج من صدري تقارع من اقصاه ابكي من الوجلى على قدّ ما صار مفجوع منصاع من الحزن ويلاه أونس بجاشي كوكب توّ مافار مثل القدر يطفر على النار تنصاه سار القلم باللي جرى بالقدر سار واستحكمت اقدار يا طول هجراه من ونتي يبست زماليق الاشجار ياناس من مثلي صبور بماجاه من ونّة ونيتها وقت الاسحار ونة فطيم جاير الحرب يبراه أو ونَّة اللي خاض غبات الابحار زادت عليه الريح والموج غبَّاه قالوا لي اصبر قلت للصبر مقدار طال الطويل وباقي الصبر ما اقواه أبكي وليف حط بالقبر أبوغار عزي لعين ما تهنّت بلاماه»