لم يستشر التعصب في جسد رياضتنا كما استشرى فيها في السنوات العشر الأخيرة، حيث جاوزت الأمور الحد، فمن انتهاك للروح الرياضية داخل الملعب، مروراً بالتصارع في المدرجات، إلى التقاذف بأبشع العبارات وأقذع الأوصاف، لتصل الحال إلى تدبير المخططات وحياكة المؤامرات في سبيل عرقلة هذا النادي وإسقاط ذاك. الأمور باتت اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، ومرشحة لمزيد من المآسي، ولم لا وقد بلغ التطرف الرياضي حده، وجاوز التعصب مداه، إذ يكفي دليلاً أن تنفذ وزارة الداخلية قبل أيام حكم القتل قصاصاً بأحد المشجعين لقتله إنساناً بريئاً، ليس له ذنب سوى أن قدره ساقه لملعب رياضي ظن أنه واحة غناء تنبت فيها ورود السلام وتفوح في فضائها روائح الحب، وما حسب أن قدماه أخذته لساحة معركة لا صوت فيها يعلو فوق صوت السكاكين!. ولأن الوضع بات كذلك فإن رياضاتنا باتت بحاجة إلى مبادرات نبيلة تحمل على إعادة مياهها الراكدة إلى مجاريها الصافية، بعد أن عكرتها الأحداث المتتالية ولوثتها الأزمات المتعاقبة، وليست سلسلة مبادرات رئيس الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد التي ابتدرها مؤخراً بالاصطفاف إلى جانب الغريم النصر في قضيته بعد (أحداث زعبيل)، ثم بوقوفه حضورياً إلى جانب رئيس نادي الشباب خالد البلطان مسانداً لتأهل فريقه للدور الثاني في دوري أبطال آسيا في مباراته الأخيرة أمام باختاكور الأوزبكي، ودعوته جماهير ناديه للوقوف خلفه بالتشجيع والمؤازرة، وكذلك إعلانه عن وقف (حرب التصريحات) مع النصر من جانب واحد، إلا دليلاً على أن مجتمعنا الرياضي لازال بخير طالما فيه عقليات ترقى بقيم الرياضة من وحل التعصب المقيت إلى فضاء المنافسة الشريفة. وبالأمس القريب أطلق شاب لا زال يصعد عتبات العشرين من عمره مبادرة ذات قيم كبرى ومعان سامية لم يقم بها من بلغوا من العمر عتياً حينما دشن حملة في الموقع العالمي (فيس بوك) بعنوان (كرة القدم تجمعنا ولا تفرقنا)، حيث افتتح الحملة مشكوراً عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم ومدير هيئة دوري المحترفين محمد النويصر الذي بات قريباً من هموم الشباب وملامساً لاحتياجاتهم من خلال صفحته الغنية على (الفيس بوك). الحملة السامية التي تحمل فكرة رئيسة تقوم على التأكيد على أهمية كرة القدم في نشر المحبة والسلام، ونبذ التعصب والكراهية هي من بنات أفكار أحمد السحاري طالب كلية الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز وصاحب مجموعة عشق كرة القدم في (الفيس بوك)، بالتعاون مع شروق السحيمي المسؤولة عن قروب الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز في (الفيس بوك) والمصمم سامي الشيعاني ويحسب للشبان الثلاثة أنهم استطاعوا وفي غضون مدة قليلة من جمع آلاف الأصوات في حملتهم في طريقهم لجعلها حملة مليونية، ساعدهم على ذلك حبهم لوطنهم، وإيمانهم برسالة الرياضة، واستشعارهم بالخطر المحدق الذي أخذ يتهدد المجتمع السعودي، ولا يطلبون شيئاً في حملتهم سوى دعمها إعلامياً في سبيل الوصول بها إلى كل رياضي قريباً كان أو بعيداً، مثقفاً بقيم الرياضة أو جاهلاُ بها، وذلك بالدخول بها إلى كل بيت وناد ومدرسة وجامعة ومسجد ومجمع تجاري، فهل نفعل؟