لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده لأجل مسمى (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) آل عمران: 185، وأرجو أن يكون الشيخ الجليل محمد سيد طنطاوي ممن ينادي بقوله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الفجر: 27. عند ورود النبأ الأليم الذي هز المشاعر واعتصر القلوب وذرفت لهوله العيون ذاك النبأ هو رحيل العالم الفاضل الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي أمضى عمره صادقاً أميناً، ومخلصاً متألقاً في خدمة دينه ووطنه، محباً لدولته، والذي اتسع قلبه الكبير للناس كل الناس، والذي عرف بصفاء نفسه وصدقه ونقاء سريرته، وحديثه الذي يجري على سجيته دون تكلف، ببساطته وتواضعه وعطفه ورحمته وحنوه على الفقراء والمحتاجين واهتمامه بقضايا المسلمين مع ما منحه الله من دعوة للوسطية والاعتدال والسماحة مع الجماعة وقوة في محاربة الإرهاب والفكر المنحرف. فبالقرآن الكريم عاش وعمل، وللدين الحنيف عمل واجتهد، بوسطية الدين الحنيف انطلق، ومن منارة الإسلام تألق وتفوق، (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ما بدلوا تبديلاً). ندعو الله له بالمغفرة ونستمطر على روحه شآبيب الرحمة، ونتمثل قول الشاعر: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس تموت ولا بعير إنما الرزية فقد حر بموته يموت خلق كثير ولكن نقول إذا مضى علم فقد قام مقامه علم قادر على حمل الأمانة، وأداء الرسالة، ولقد فاضت المشاعر بهذه الأبيات: قضى عمره الزاهي كريماً ممجداً وناداه رب العرش فلبى الندى تشبع بالقرآن إشباع ظامئ رأى دونه عذب الفرات فأورها تولاه حفظاً دائباً وتلاوة وشرحاً وتفسيراً وفكراً مجددا فكان له في دولة العلم رائداً وزاد به في مجمع القوم سؤددا ورفقه مولاه إذ صار عالماً ينشئ أجيالاً ويرأس معهدا تلاميذه في كل أفق أهل وقد صار فيهم ساطع النور فرقدا تباهوا به إذ أدركوا فضله الذي كساهم على الأيام مجداً مخلدا أرى بعض أهل العلم يحصر جهده بفن فما تعدوه إن راح أو غدا ولكن هذا العالم البحر قد حوى علوماً كثيرات بها رهطه اهتدى فنحو وتفسير وفقه تعددت مواهبه فيه، فغار وأبحرا لكل عويص في السؤال إجابة تظل حديث القوم مثنى وموحدا تعجبت له يهدي على الفور حكمة سديداً مصيباً ماونى أوترددا يؤيده بالمنطق الفصل حجة يعززها النص الشرق مؤكداً فأنت إذا يتلو حديث محمد تكاد ترى رأي العيان محمدا ودع عنك تاريخ الصحابة إنه يحدث عنهم في الدروس ممجدا لكل صحابي حديث معطر لديه كزهر الروض باكرة الندى كساه وقار العلم فينا مهابة فتخشع إجلالاً له كلما بدا عرفناه ذا نبع كريم مبارك تأصل بنياناً وأشرق محتداً فأخلاقه أخلاق من عرف التقى ولم يتخذ غير المروءة مقصدا صفوح إذا ما بدت زلة أمرئ تداركها غفرانه وتغمدا كريم له في الجود شتى مآثر يخاف عليها أن تذاع فيحمدا يرى أن كتمان العطاء فضيلة تهون ذوي البؤس وتحمي من اجتدى كذلك أخلاق النبيين إنهم مثال لأهل الفضل يحذى ويقتدى تلالأ بالنور الوضيء جبينه فيحسبه الرائي شعاعاً توقدا يهش لمن يلقاه حباً ورحمة لأن سماح الطبع قد جاوز المدى تعاليم إسلام دعاها فؤاده وكررها في الناس لحناً مردداً ففي ذمة الرحمن روح حبيبه تطير مع الأملاك طيراً مغرداً عليها سلام الله يندى نسمه فيعبق ريحاناً ويلطف مشهدا * عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين