كعرب وكمسلمين تربينا ومنذ عقود على هاجس العدو الذي يتربص بنا، وظل هذا الهاجس ينخر في كياننا كأمه ويحلق بنا بعيدا خارج سرب الحضارة والتقدم دون أن نقاومه أو نستوعب حقيقته. ولو سألتموني عن ما أراه وأعتقده عدوا لنا كمسلمين وعرب لأخبرتكم بأني أراه في آفتين لا ثالث لهما: التلوث والفوضى! وقد لا يتسع المجال للحديث عنهما معا في مقال واحد لذا سأبدأ بالتلوث الذي نعانيه ويقودنا للفوضى وإن كان العكس صحيحا أيضا في بعض الحالات. فالملوثات في بيئتنا العربية والإسلامية كثيرة ملوثات للبيئة تطلقها مصانعنا وعوادم سياراتنا، وملوثات فكرية يطلقها بين حين وآخر بعض الملوثين والمضللين منا. ولو تأملنا مناخنا العربي والإسلامي وفحصناه بعيننا المجردة قبل التليسكوب أو المجسات لوجدناه مثقلا بالغبار وثاني أوكسيد الكربون وبالمعلومات المضللة والمدسوسة والمفبركة التي تسبب الأمراض وتثير أنواعا مختلفة من الحساسية . وإذا كانت الملوثات البيئية تضر بجهازنا التنفسي وتؤثر في مزاجنا فإن الملوثات الفكرية تؤثر في جهازنا العصبي وتتلاعب بعقولنا وتقلب أفئدتنا. وما يزيد الأمور تعقيدا وكآبة هو غياب المرجعية الموثوقة لتدعيم المناعة لدى الانسان العربي والمسلم، تجاه هذه الملوثات التي تزيدها رياح التكنولوجيا المتطورة انتشارا وتأثيرا فبمجرد أن تخرج معلومة أو أكذوبة وتجد طريقها لشبكة الانترنت حتى تنتشر بين الناس ويعاد تدويرها في المواقع المختلفة وعبر رسائل ال SMS لتصل إلى الناس ليستوعبوها بطريقتهم الخاصة . معلومات غريبة وغير منطقية تجد طريقا سالكا لعقول الناس دون أن يكون هنالك تحرك فعال ومدروس لمقاومتها والتقليل من آثارها الجانبية. والمقلق في هذه القضية أن هذا التلوث الفكري لم يعد مجهولا أو معمما بل بات يروَّج على ألسنة أناس يحسبون على المجتمع بأنهم أناس ثقات في مجال تخصصهم. معلومات في الصحة ، في الطب ، في الدين ، وفي الاقتصاد دون أن يحاسَب عليها من كان وراءها أو حتى يبحث في المصلحة التي يبتغيها أو حتى يبحث في أهليته وجدارته على التصريح بها والافتاء فيما يعتقد هو أنه مؤهل له. وإني لأستغرب من بقاء الحال وتزايد الجدال في قضايا ثانوية على حساب قضايا أخرى أكثر أهمية وأحق بأن يضيع عليها وقت ومال وجهد الأمة العربية، مع هذا التزايد في التلوث الفكري الذي يمارسه البعض من طبقة النخبة في مجتمعنا ويوظفونه لاستمالة العامة وتحقيق المصالح الخاصة وتمجيد الذات. التلوث يزيدنا مرضا وخمولا وتأخرا ، فلماذا لا يكون هنالك تحرك فعال لإنشاء مركز موحد لمقاومة التلوث الفكري والثقافي، مركز له كيانه المستقل وهيئته الاعتبارية بما يدعم به من وسائل للبحث والتدقيق ويكون من أهم أهدافه تفنيد ما يتناقله الناس بينهم من معلومات وفتاوى وتصريحات. الجهود الشخصية وحدها لا يمكن أن تقاوم الملوثات المتزايدة فنحن بحاجة لمؤسسة قوية جديرة بتنظيف الأجواء مما يعكرها ، ومساعدة الناس على التيقن من مصداقيتها أو فتح النوافذ لطردها قبل أن تعشش في عقولهم وبيوتهم وتسبب الفوضى!