على الرغم من التغيرات الكبيرة التي رافقت المستويات الاجتماعية والفكرية والسياسة، وكذلك الثقافية، إلا أن المناهج الدينية التعليمية مازالت غير كافية بما لابد أن يتعلمه الطالب في حياته اليومية، فالمستحدثات الجديدة في العالم كثيرة ومتلاحقة، والطالب في المراحل التعليمية، مازال يجهل الكثير من أحكامها، فهو إنما يتعلم من أمور دينه الأساسيات، لكن المناهج الدينية على اختلاف مراحلها، تحتاج إلى الإضافة والتجديد في الكيفية والنوع، حتى تزود المتعلم ما ينفعه في حياته. ويؤكد المختصون والأكاديميون في العلوم الشرعية، أن المناهج الدينية لابد أن تثبت كعلم قائم ومهم، بذات القدر من الكم، ويجب تطوير مناهجها بما يقدم للناشئة ما يفيدهم، في تبصيرهم بأمور حياتهم بشكل أعمق، وبث المفاهيم التي تساعدهم على الانطلاق بها في الحياة العصرية، مزودين بسلاح الدين والعلم. التطوير في الكيفية والأسلوب يقول "د.مسعود الغامدي" إن الطالب والطالبة المبتدئين، يحتاجان إلى قدر كبير من العلوم الدينية، وذلك أمر متفق عليه، على عكس ما يتردد من البعض، والذين يذهبون إلى عدم احتياح الطلاب إلى المناهج الدينية في المراحل التعليمية، وبأن المعلومات والدروس الشرعية التي تقام في المساجد تكفي، مضيفاً التحصيل العلمي القائم على المناهج الدينية أمر مهم جداً، حتى تزرع في الطلاب معرفة الدين منذ الصغر، لذلك فكمية المعلومات الدينية لابد أن تكون كبيرة بالمفاهيم الجديدة الطارئة على العصر، مشيراً إلى أنه لابد من معرفة ما يجب أن ندرجه في تلك الكمية من المعلومات، عن طريق التطوير في الكيفية والأسلوب، وفي نوع ما يعرض لهم، أو في مراعاة العصر بشكل جديد، فالمناهج الدينية الموجودة بمحتواها تفي بقدر كبير من الغرض، ولكنها تحتاج إلى بعض الإضافات في طريقة التعليم. التعايش مع الثقافات الجديدة وتمنى "د.الغامدي" أن يضاف للطالب في ظل المسائل الشرعية، ما يتعلق بنظام الحياة الجديد، كالتصرف مع الأمور الحياتية، ومفهوم التسوق، إلى جانب التعامل مع الآخرين، وأن يضاف طريقة للتعامل مع الكم الهائل الذي يتلقاه الناشئة عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما أتمنى أن يتعلم الأطفال كيف يتعايشون مع الثقافات الجديدة، سواء مباشرة أو عبر ما يصل عبر وسائل الإعلام، إذ لابد أن توضع في المناهج خاصةً، المفهوم الحقيقي لمعنى الوطنية والمواطنة، والتي تفرض عليه دون أن يتعلم معانيها بشكل عملي، بشرط ألا تتزاحم المعلومات الأساسية في مختلف المناهج الدينية. التطوير في المناهج الأخرى ويرى "د.محمد الهرفي" بأن الحكم على تطوير المناهج الدينية في المراحل التعليمية، يعتمد على معرفة ما هو مطروح في تلك المناهج، حتى يتسنى لنا تحديد جدواها، إلا أن التغيير المطلوب لابد أن يضم المناهج الأخرى، وأن تراعى فيه قضيتان هامتان، الأولى تتعلق بالمادة العلمية المطلوب من الطالب تعلمها، والأمر الثاني أن تكون تلك المناهج تتوافق مع ما يطرح من الحضارة المعاصرة، فالتعليم هنا لابد أن يقدم، ولكن بطرق لا تتنافى مع مستحدثات الحضارة الحديثة، مضيفاً لابد أن يشمل ذلك التغيير جميع المناهج على تنوعها، أما المناهج الدينية بشكل خاص فلابد أن تحوي ما يغطي حاجة الطلاب، لمعرفة أساسيات الدين، وأيضاً ما يتوافق مع الحضارة، وهذه تحتاج أيضا إلى جزئيتين، الأولى منها تتعلق بالمنهج، والأخرى تتعلق بالمعلم، إلا أن المعلم أهم من المنهج، فكثيراً ما يحدث أن تكون مفردات المنهج جيدة، لكن طريقة التوصيل غير جيدة، فنحن نعيش في أجواء يحدث في كل يوم منها حدث جديد، سواء على مستوى القضايا الدينية، أو السياسية أو الاجتماعية، وكذلك الاقتصادية، لذلك نحتاج إلى المناهج التي تغذي جميع تلك الجوانب، مع تقديم المعلومات المناسبة. إعادة صياغة المعلم ويوضح "د.عبد الرحيم الهاشم" أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة، بأن الدين صالح لجميع الأزمان، وليس به جديد، كما أنه ليس من المفروض أن نساير الدين من أجل الحياة، بل لابد من مسايرة الدين وتسخير الحياة له، مضيفاً ليس هناك شك بأن الحياة متجددة، ولابد على أهل العلم أن يبينوا حكم الشرع فيها، من خلال المناهج الدينية، التي تعتبر جيداً فيما يخص الأمور الشرعية، إلا أن ذلك لا يمنع من التجديد في طرق المناهج بما يوضح أحكام حاجات العصر، فيجب توضيح كل ما يتعلق بمسائل الحياة بما يتناسب مع الأحكام الشرعية، مشيراً إلى أن الدين لا يعارض الصناعة، ولا يعارض القنوات الفضائية، أو التجارة والزراعة، لذلك لابد من تربية الناشئة على خدمة المجتمع بما أمر الشرع، ومشدداً على أن القضية الكبيرة لا تتعلق بالمناهج الدينية، أو مناهج طرق التدريس عامة، بل في إعادة صياغة المعلم، الذي أصبح يطلب من الطالب أن يقدم الحلول الصحيحة، دون أن يصوب فيه الخطأ، فمادة التدبير المنزلي وضعت لتخرج فتيات عارفات بفنون تدبير الحياة الأسرية، لكن ما يحدث هو أن الطالبة تنجح في تلك المادة، دون أن تلم بالمعلومات الكافية، وذلك يتوقف على المعلمة غير الجيدة وليس بالمناهج. عرض المعلومات بشكل عصري ويقول "د. طارق الحواس" عضو هيئة التدريس بجامعة الأمام، إن إعادة النظر في المناهج الدينية أمر مطلوب، حيث أن جملة كبيرة من الكتب الشرعية سواء كانت في الفقه والحديث، أضيفت لها معلومات جديدة بشكل يتناسب مع واقع التغيير الطارئ على العصر، وهذا أحدث تحسنا في المناهج الدينية، بخلاف الزمن الماضي، الذي كانت تحوي فيه المناهج الدينية معلومات غير مجدية، إلا أن التغيير المأمول به في طريقة تغيير المناهج الدينية، هو أن تعرض المناهج معلوماتها بشكل عصري، كذلك عرض كل جديد مما يطرح على مستوى العالم، وربط ذلك بالمناهج الشرعية، حتى يحصل الطالب على المعلومات الدينية المرتبطة بعصره، ولكي لا يعيش في معزل عن الأحداث، كما يجب إدخال القضايا العقلية في المناهج، فالعقل مهم جداً في فهم الأمور الشرعية، حتى لا يشعر الدارس أن تلك المناهج عبارة عن نصوص بعيدة عن العقل، وحتى لا يكون الطالب متلقيا دون الفهم.