قبل الدخول في الموضوع أود احاطة القراء الكرام بخلفية هذا الرد حتى تسهل عليهم المتابعة؛ فقد كتب أخي فارس بن حزام مقالاً في صحيفة «الرياض» يوم الثلاثاء الماضي 28/4/1431ه بعنوان: (بادية أبي وحاضرة أمي في عين نائب الوزير) تحدث فيه عن رعاية معالي الأستاذة نورة الفايز لحفل جائزة الجميح للتفوق العلمي للطالبات في شقراء يوم الأربعاء، وحفل أسرة الخراشي للتفوق أيضاً في أشيقر يوم الخميس، وحيث إن نائبة الوزير من أهالي محافظة شقراء ومن قرية (الفرعة) الملاصقة لأشيقر فكأن الكاتب عدّ هذا العمل نوعاً من الاقليمية والمناطقية حينما قال: (وما دفعني للحديث اليوم الحالة الاقليمية والمناطقية والتعصب الأسري والقبائلي المتزايد في تفشيه.. وربما أتذكر اليوم إعلاناً صحافياً نشر قبل عام يهنئ صاحبه فيه مجموعة صغيرة من ضمن قائمة كبيرة للمعينين في مؤسسات الدولة بمراتب عليا وقد اقتصرت مجموعته على أبناء مدينته...) وهذه التهنئة الأخيرة التي يشير إليها أخي فارس تنطبق على شقراء أيضاً، ولعله يقصد مجلس الأهالي عندما هنأ المجلس عدداً من أبناء المحافظة لفوزهم بالثقة السامية في مناصب كبيرة، ولعل متابعة أخي فارس لمناسبات شقراء تمثل جزءاً من بره بوالدته وأخواله، حيث إن والدته تنتمي إلى أسرة كريمة من أسر مدينة شقراء، وأخوال أخي فارس هم أخوال عدد من أبناء عمومتي، وهم أبناء خالة فارس، وهذه القرابة تجعلني أخص أخي فارس بمزيد من التقدير والاحترام، وأرجو ألا يعدَّ ذلك عصبية أو مناطقية؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بصلة الرحم، وأوصانا بمحبة أهل بيته وتوقيرهم بل أوصانا بأهل مصر عموماً وقال إن فيهم نسباً وصهراً، والحديث في صحيح مسلم برقم (2543) وله روايات عدة. وحتى لا يتشعب بنا الكلام، فسأوجز تعليقي على مقال الأخ فارس في عدة نقاط: 1- كنت أتمنى من أخي فارس وقد أكرمه الله بزاوية مهمة في جريدة سيارة ذات مكانة أن يشغلها بقضايا الوطن الكبرى، وهموم المواطن الملحة، فقد حاولت مع زملائي أعضاء مجلس جائزة الجميح وزملاء آخرين أن نجد هدفاً واضحاً، أو مصلحة ظاهرة من وراء مقاله هذا فلم نجد؛ لأنه قد بناه على أسئلة وظنون استباقية افتراضية، كقوله: (لا أعلم إن كانت السيدة نورة ستقبل دعوة تأتيها من قرية الفوارة في القصيم أو من وادي الفرع في المدينة؟!..) وهذا الكلام يحمل اتهاماً مبطناً للأستاذة الفاضلة بأنها تحابي محافظتها على حساب بقية المناطق مع أنه سؤال استباقي لا مكان له، ويدخل في الضمائر والنوايا، وكيف لا تلبي دعوة القصيم أو المدينة أو جازان أو تبوك، وهي حديثة عهد بتلبية دعوة في البرازيل؟! كنت سأصطف مع أخي فارس مؤيداً لو أن لديه معلومات تؤكد رفض الأستاذة الفاضلة لعدد من الدعوات واستجابتها لشقراء فقط، أما أن يعترض عليها لأنه يفترض أنها قد لا توافق فهذا مزلق ورّط نفسه فيه وهو غني عنه. 2- ورد شيء من التناقض في مقال أخي فارس، ففي البداية يتهمها بما أشرت إليه، وفي النهاية يقول: (أحسن الظن بالسيدة نورة الفايز، وأجنب عنها لوثة المناطقية، وحسب ما يصلني أنها لا تبالي بهذا الشأن...) وهذا الكلام الأخير ينقض المقال ويجعله بلا هدف ولا غاية؛ فالباعث عليه هو التحذير من العصبية المناطقية والتنديد بها - كما يبدو من سياقه - ونهايته تبرئ الأستاذة منها، وفي وسطه يقول: (لست في موقف معارض لرعاية الجوائز الأسرية حتى وإن كانت عائدة لأسر مرتبطة عائلياً أو اقليمياً بشخص المسؤول الراعي؟...) إذن ما تريد أخي الكريم؟ وما الهدف من مقالك؟ هداك الله. 3- أكاد أجزم بأن أخي فارس أتي من عدم وضوح مدلول العصبية والعنصرية القبلية أو المناطقية عنده، وهذا الغبش يشاركه فيه بعض كتّاب الصحف الذين يكثرون الخوض في هذا الموضوع، وهؤلاء يحسبون أنهم يحذرون منه وينفرون منه أيضاً، بينما هم أكثر الناس إحياء له بإدامة ذكره بمناسبة ودون مناسبة، وكثيراً ما حملوا تصرفات على العنصرية مع أنها بعيدة عنها، خذ مثلاً اعتراض أخي فارس على تهنئة أهل شقراء - أو غيرهم - لبعض أبناء مدينتهم عندما عينوا في مناصب قيادية، ولماذا لم يهنئوا كل أعضاء مجلس الشورى؟ فأي عنصرية في أن تهنئ معارفك وأحبابك وأبناء مدينتك وأنت في مجلس يمثلهم ويتلقى الدعم منهم. ألم يوص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق - بأهل مصر من أجل هاجر أم إسماعيل ومارية القبطية أم ولده إبراهيم؟ هل تريد أخي فارس من كل مسؤول أن يقاطع مدينته ومعارفه وأقاربه حتى لا يتهم بالعنصرية؟ إن التوازن مطلوب، وليس كل ما يظن عنصرية هو من العنصرية، وإنما العنصرية المذمومة المرذولة هي التي تعطي القريب ما ليس له لأنه قريب، وتمنع البعيد من حقه لأنه بعيد، هذه هي العنصرية التي يغيب فيها العدل ويستشري فيها الظلم، أما حب القبيلة وحب المدينة ومسقط الرأس ومراتع الصبا فليس بعنصرية، وها هو المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول عندما أخرج من مكة: (والله إنك لأحب البلاد إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) ويوصينا بأهل بيته ثم لا يمنعه ذلك من أن يقول: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ويعرف الصحابة مكانة أسامة بن زيد منه وأنه حبّه وابن حبّه، ومع ذلك ينكر عليه بشدة شفاعته في حد من حدود الله. إذا وُجد العدل والعقل والحق - أخي فارس - فأحبب من شئت وشجع من شئت ولا تخشى العنصرية. إن الدولة وفقها الله ترعى وتؤيد التنافس الشريف بين المدارس والجامعات والمدن في المسابقات الثقافية والرياضية، وكل أناس يشجعون مدرستهم وجامعتهم ومدينتهم، ولم يعدُّ أحد ذلك عنصرية، إلا إذا غاب عنها العدل والعقل، وما الذي يمنعك أخي فارس من تأييد وتشجيع شاعر من قبيلتك (حرب) دون أن تسيء إلى أحد أو تلمز أحداً؟ إن الناس أخي فارس في هذا الباب بين إفراط وتفريط فمنهم من تعميه العصبية فيكون مع جماعته وقبيلته في الخير والشر والحق والباطل، وإن كان في منصب أعطاهم ما لا يستحقون من الوظائف والفرص، وحرم غيرهم من حقه لأجلهم. ومن الناس من يأخذ موضوع العصبية بحساسية مفرطة ويفسر كل الحركات والتصرفات على أنها عصبية مع أنها من الحب الجبلّي والميل الفطري المأذون فيه؛ لأنه ليس على حساب أحد، وهذا ما فهمته من أخي فارس، وهناك موقف وسط معتدل وهو ما عرفناه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخيار الأمة وعقلائها قديماً وحديثاً. 4- تعلم أخي فارس أن جائزة الجميح وغيرها من جوائز التفوق العلمي في المملكة تحرص على تكريم الفائزين بها بأن يتسلموا جوائزهم من يد شخصية كبيرة ومميزة بعلم أو منصب أو وجاهة، وتبقى لحظة السلام على هذه الشخصية - رجلاً كان أم امرأة - فرصة عمر عند هذا الطالب أو الطالبة تظل خالدة في ذاكرته طوال حياته، وقد شرفت جائزة الجميح في سنواتها الثماني الماضية بضيوف كبار، منهم: سماحة مفتي عام المملكة، ومعالي الشيخ صالح بن حميد، ومعالي وزير الشؤون الإسلامية، ومعالي الشيخ صالح الحصين، ومعالي الدكتور محمد الرشيد، ومعالي الدكتور عبدالله العبيد حينما كان كل منهما وزيراً للتربية والتعليم، ومعالي وزير العدل الحالي، ومعالي نائب وزير التربية للبنين، وسمو الأميرة البندري الفرحان، وسمو الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد. فبعد النظر أخي فارس في هؤلاء الرعاة وتنوعهم وتكرمهم بالاستجابة لرعاية هذا العمل العلمي النبيل، هل يسع الأستاذة الفاضلة الاعتذار عندما طلب منها، وقد سبقها إلى هذا الفضل أميرتان كريمتان بحجة انتمائها للمحافظة وخوفاً من دعوى العنصرية؟ وهل يلزم المسؤول أن يقاطع أهله وبلده فراراً من العنصرية؟ إن الأمر إذا وصل إلى هذا الحد تحول إلى مرض يحتاج إلى علاج. أما ما ألمحت إليه من رعايتها أيضاً لمناسبة أسرية خاصة في أشيقر، فالذي أعرفه أن هذا أمر عارض لم تتحرك الأستاذة الفاضلة من الرياض لأجله، وإنما استغل القائمون على هذه الجائزة من أسرة الخراشي وجود معالي النائبة في شقراء فحرصوا على دعوتها لرعاية حفل جائزتهم النسائي؛ لأن المسافة قريبة (حوالي 11 كيلو) واليوم يوم اجازة وهو الخميس فوافقت مشكورة؛ لأن الجائزة أيضاً جائزة تفوق علمي، والمكرمات فيها من طالبات الوزارة المشمولات بمسؤولية معالي النائبة فأي غضاضة أو غرابة في هذا؟ هداك الله أخي فارس!! وأخيراً، ربما قال بعض الزملاء والأحباب إن الأمر أهون من هذا وأقل، ولا يستحق الرد، وأنا معهم في ذلك، وإنما حملني على الرد أمران: الأول: الذب عن هذه السيدة الفاضلة التي استجابت مشكورة لدعوتنا، بوصفي من أعضاء مجلس الجائزة، علماً بأن سمو وزير التربية قد أيد وبارك زيارتها، وقد وعدنا أن يشاركنا بنفسه في العام القادم بحول الله. الثاني: أن أحد أقارب أخي فارس قد أثنى عليه، وذكره بخير كثير، فشجعني ذلك على أن أعاتبه وألفت نظره لأمور ربما غابت عنه، أو تضخمت في عينه حول العنصرية والعصبية والمناطقية، كما أدعوه إلى الترفق بالمسؤولين وتشجيعهم وعدم التربص بهم عندما تكون خطواتهم بناءة وفي خدمة المواطنين، بخلاف ما لو قصروا أو اخطؤوا فإن الواجب نصحهم وعدم السكوت عن أخطائهم أو تقصيرهم. اسأل الله لي ولأخي فارس وللجميع الهداية والتوفيق، وأكرر الشكر والاعتذار لمعالي النائبة الفاضلة على تشريفها حفلنا وعلى ما نالها بسببه من غبار. * أستاذ اللغة العربية بجامعة الأمير سلطان وعضو مجلس جائزة الجميح للتفوق العلمي بشقراء