الّدلالة فُصْحى ، من دليل . ومنها كون الشخص وسيطا بين بائع ومشترٍ . وراجت المهنة في عهود مضت حيث كان المتبضع ( الذي قدم إلى بلدة ليشتري منها شيئا ) يجهل أهل الصنف فيأتي دور الدّلاّل ليرشده ويتوسط . وكان الناس يعتقدون أنهم مع انتشار المعرفة وأدواتها في العصر الحديث لن يحتاجوا إلى خبرة الغير ليشتري ما يلزمه . إلا أن البشر وجد أن حرفة الدلال مازالت باقية ، وأنها من " الاقتصاد الموازي " ، أي أنه ينمو مع حراك الناس في المال والأعمال من صناعة وتجارة وزراعة وعقار . وعاش الدلالون في بلادنا حقبة مربحة ومزدهرة حين هدير الحركة العقارية . وتطوّرت الدلالة إلى " عمولة " لجعلها عصريّة " مودرن " ، ولم تقف عند إرشاد من يبحث عن سلعة إلى من يعرض السلعة ، بل أصبحت غير ذلك .. ! صار الدلال يحسّن السلعة ، ويطوّر مجموعة ضغط ( لوبي ! ) وواسطة لإصلاح الأمور ! لتمرير السلعة إلى المشتري ، ولا يكفيه " السعي " المقرر شرعا وهو 2.5 % بل يتوقّع أكثر . ولا تخفى عن العين الفَطِنة أن ضراوة التنافس والتسويق تعدّت " الدلاّل " في سوق الدواء . فرأينا كيف يزدحم المسوقون عند عيادات مختلف التخصصات في المراكز العلاجية الخاصة . ولكون المستشفيات الحكومية قد حُسم أمرها عن طريق إدارات المشتريات (وطارت الطيور بأرزاقها!) فباعة الدواء يجدون " إصغاءً " من بعض المستشفيات والمستوصفات الخاصة التي تفتح صيدلية عند المدخل ، والأطباء غير النزيهين . لذا نجد المسوّقين – مثل المرضى – الكل ينتظر دوره ، ليقول للطبيب هذه العبوة " مجرّبة ! " وهي أحدث إنتاج لشركة (..) للبحوث الدوائية ، و"نسبة " الآثار الجانبية أقل منها في الدواء الذي يُستعمل الآن !. لكن "نسبة" الفائدة أكبر! . وافهم يا فاهم. بعض الأطباء يطلب عينة مجانية ( وهذا عُرف في كل البلدان ) ويُصاحب العينة مطوية ( بروشور ) يقرؤه الطبيب قبل أن يكتبه لمرضاه . والبعض الآخر يبدأ بضخ السلعة إلى دماء الناس ، ويكررها .. ويكررها ، لرفع " نسبة " الشفاء " . الطبيب لم يعد يستعمل مهارته وعلمه .. شرح الوسيط الدوائي يكفي . قال غير الراضين عن الطب والأطباء إن الطبيب هو الوسيط أو الدلال إلى متعهد الجنائز (الحانوتي) . والآن نرى وسيطاً آخر عنيداً .. هو الموزع أو المسوّق لشركات الدواء فيومه يبدأ في الصباح ولا ينتهي إلا منتصف الليل . وحاول ثريّ أمريكي أن يُعلّم أبناءه فلسفة عدم الاعتماد على الوسطاء في التعامل ، وأن الحكمة أن يتعامل المرء مع مقدم الخدمة رأسا، على أساس حكمة : Cut The Middleman أي : اقطع الخط على السمسار . وعندما مرض والدهم استدعوا الحانوتي - متعهّد دفن الموتى..! – بدلاً من الطبيب .