منطقة الشرق الأوسط كما تعلمون ، من المناطق الشاسعة ، والتي تحتضن أمما وشعوبا ومجتمعات متعددة ، كما أنها تعبر عن هويات وثقافات متمايزة ومتداخلة في آن .. وتتشكل هذه المنطقة الواسعة في غالبيتها، من المجتمعات العربية والإسلامية ، وهي مجتمعات على الصعيد التاريخي والثقافي تتمايز عن بعضها البعض في درجة التطور وفي خياراتها السياسية والاجتماعية والثقافية ، إلا أن جميع هذه المجتمعات تعاني بشكل أو بآخر من مشاكل ومآزق تختلف درجتها بالطبع بين تجربة وأخرى ومجتمع وآخر.. ولعل من أبرز هذه المآزق هو موقع المرأة في بنيانها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي .. إذ إن المرأة في هذه المجتمعات لم تحصل على كامل حقوقها .. وتشعر الحركات النسوية فيها بأن هناك عقبات عديدة ومتنوعة تحول دون حصول المرأة على كامل حقوقها .. ونحن نحاول في هذا المقال أن نقترب من هذه الحقيقة ، ونفحص الأسباب العميقة التي تمنع المرأة من نيل حقوقها أو مشاركتها الفعالة في مشروعات البناء والتنمية في كل المجالات والحقول .. ونحن هنا لا نمارس نقدا أيدلوجيا لما هو سائد ، وإنما نناقش الخيارات ، ونمارس النقد عليها ، من أجل تحرير المرأة في هذه المجتمعات من كل الكوابح والموانع التي تحول دون تبوّء المرأة موقعها الطبيعي في هذه المجتمعات .. والسؤال المركزي الذي نحاول في هذا المقال، البحث عن إجابة أو إجابات عنه هو : * كيف تكون المرأة قوة تغييرية في منطقة الشرق الأوسط ؟ نجيب عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية: 1- بناء الأطر والمؤسسات والكيانات النسائية الجادة والفاعلة : من خلال العديد من التجارب نستطيع القول : إنه لا يمكن تطوير واقع المرأة في هذه المنطقة ، بدون أن تتحمل المرأة ذاتها مسؤولية التغيير والتطوير .. لهذا نحن بحاجة إلى جهد مؤسسي ، ينظم عمل المرأة ، ويراكم من خبرتها وتجاربها المتعددة ،وذلك من أجل كتلة تاريخية نسوية تطالب بالتغيير وتعمل من أجله .. فالنص الإسلامي ينصف المرأة ، ويفسح المجال لها للمشاركة الفعالة في شؤون الحياة ، إلا أن الوقائع الاجتماعية وبعض الخيارات الثقافية والعرفية ، هي التي تمنع مشاركة المرأة .. لهذا فإن المطلوب بالذات من المرأة نفسها هو العمل على تفكيك الوقائع الاجتماعية التي لا تنسجم وقيم الإسلام العليا ، وتحول دون مشاركة المرأة في الحياة بشكل طبيعي .. وهذا يتطلب جهدا مؤسسيا متواصلا ، يبني ويراكم ويصنع المنجزات والمكاسب .. 2- خلق مفاهيم جديدة للعمل النسوي في المنطقة : خلال سنوات عديدة ، كانت الرؤية المركزية التي تتحكم في مسيرة العمل النسوي في المجتمعات العربية والإسلامية ، هي أن المشكلة الأساسية التي تحول دون قبض المرأة على حقوقها هي المجتمع الذكوري والعقلية الذكورية التي تهيمن على حركة المجتمعات العربية والإسلامية .. وفي تقديرنا أن هذا التوصيف صحيح ، إلا أنه يبدو ليس هو الحائل الأساس الذي يحول دون حصول المرأة على حقوقها .. وإننا نعتقد أن تمركز الحركة النسوية على هذا المفهوم ، لن يؤدي إلى انتزاع المرأة لحقوقها .. لهذا فإننا نعتقد أن الحركة النسوية في مجتمعاتنا ، بحاجة إلى خلق مفاهيم جديدة ، تساهم في تأطير الجهد والحراك الإصلاحي النسوي ، كما أنه يعيد صياغة حركة المرأة في مجتمعاتنا .. وأرى أن من المفاهيم التي تساهم في تحفيز وتنشيط وتفعيل الحركة النسوية في مجتمعاتنا المفاهيم التالية ( الكرامة الإنسانية – حرية القول والتعبير – الكفاءة الذاتية ) أعتقد أن هذه المنظومة من المفاهيم تساهم في صياغة الحركة النسوية في مجتمعاتنا على أسس أكثر حيوية وفعالية .. 3- لعوامل ذاتية وموضوعية عديدة ، خلقت الحركة النسوية في التجربة العربية الحديثة والمعاصرة لنفسها مع الدين الإسلامي مشكلة أو مسافة .. مما صور هذه الحركة لدى عامة الشرائح الاجتماعية ، وكأنها خروج على القيم والمبادئ الإسلامية ، مما أفقدها التعاطف والحاضن الاجتماعي الواسع .. وأرى أنه آن الأوان لإعادة بناء العلاقة بين فعاليات الحركة النسوية في مجتمعاتنا والقيم الدينية .. ووجود أصوات دينية متطرفة أو متشددة تجاه الملف النسوي لا يبرر لأحد عدم خلق رؤية دينية مستنيرة وحاضنة لأهداف المرأة وتطلعاتها العامة.. إننا نعتقد أن استنطاق النص الديني تجاه موضوعات المرأة ، سيضيف إلى حركة المرأة في مجتمعنا زخماً وحيوية معنوية واجتماعية ، تساهم في تعزيز هذه الحركة وفتح آفاق عديدة للعمل والتصدي والمعالجة .. ونحن هنا لا ندافع عن الرؤى والتفسيرات الدينية الظالمة للمرأة وحقوقها ، ولكننا نقول إننا لا نستطيع مواجهة هذه الرؤى والتفسيرات إلا على الأرضية الدينية نفسها .. لذلك وجود خطاب ديني مستنير ومدافع عن المرأة ومبلور لتطلعاتها وطموحاتها، سيساهم في تقليص مساحة تأثير تلك الرؤية المتطرفة والمتشددة .. 4- إن الحركة النسوية وحتى تكون قوة تغيير في مجتمعاتنا ، هي بحاجة إلى مشروعات عمل متواصل ، تعزز خيار المطالبة بالحقوق والإنصاف ، كما أنها تساهم في خلق المناخ والبيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة لأهداف وتطلعات الحركة النسوية .. لذلك فإننا نتطلع ليس إلى القول الجريء فحسب تجاه حقوق المرأة في مجتمعاتنا ، وإنما نتطلع أيضا إلى المشروعات الحاضنة والمدافعة عن هذه الحقوق ، والعاملة بشكل مستديم لتوسيع قاعدتها الاجتماعية والشعبية .. وخلاصة القول : إن إنصاف المرأة وحصولها على حقوقها كاملة غير منقوصة في مجتمعاتنا ، يحتاج إلى الكثير من الجهود التي تساهم في تفكيك الحواضن الثقافية والاجتماعية ، التي تبرر تهميش المرأة ، وتسوغ اضطهادها وكذلك بناء حقائق ثقافية وأسرية واجتماعية وسياسية منصفة للمرأة وتتعامل معها بوصفها إنسانا ، قادرا من موقع التميز والتخصص أن يكون شريكا حقيقيا في مشروعات البناء والتنمية في مجتمعاتنا ..