مر صحابي متواضع بمجلس فسلم عليهم، فردوا (رضوان الله عليهم) السلام، ثم واصل سيره، وكان أحد الجالسين جارا له ،وهو معروف بتنفله وصدقاته وصيامه.. فلما تجاوزهم رمقه بنظرة، ثم قال لمن حوله: (والله إني لأبغض هذا في الله). غضب الصحابة من هذه الكلمة التي لوثت مجلسهم، فقالوا له:(بئس والله ما قلت، أما والله لتنبئنه..قم يا فلان..فأخبره) فلحق به عله يعود ليصفو ما بينهما، لكن الرجل لم يعد، فقد شعر بحرقة حملته نحو طبيب قلبه ونبيه عليه السلام، ولما أصبح بين يديه، ذرف كلمات الجار الجارحة كالدموع، فاستدعاه النبي وسأله؟ فذكر سبب بغضه قائلاً: (أنا جاره وأنا به خابر، والله ما رأيته يصلي صلاة قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر. قال الرجل: سله يا رسول الله هل رآني قط أخرتها عن وقتها، أو أسأت الوضوء لها، أو أسأت الركوع والسجود فيها؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: لا.) ثم رمى تهمته الثانية قائلاً:(والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر. قال: فسله يا رسول الله، هل رآني قط أفطرت فيه، أو انتقصت من حقه شيئا؟ فسأله رسول الله؟ فقال: لا. ثم قال: والله ما رأيته يعطي سائلاً قط، ولا رأيته ينفق من ماله شيئا في شيء من سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة التي يؤديها البر والفاجر. قال: فسله يا رسول الله، هل كتمت من الزكاة شيئا قط، أو ماكست فيها طالبها؟ فسأله رسول الله عن ذلك؟ فقال: لا) عندها التفت عليه السلام إلى من تقرب إلى الله ببغض أخيه وقال له: (قم إن أدري لعله خير منك - أحمد بسند قوي وأبو الطفيل صحابي) انصرف الصحابيان وقد صفا ما بينهما، ولكن ذلك الناقد تعلم ألا يضع نفسه مقياسا للآخرين، فقد يكون لمن ينتقصهم عوالم لم يبلغها، قد لا تكون صلاة ولا صوماً ولا صدقة.. قد لا تكون عملاً على الإطلاق، كما توحي قصة عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان يقرأ القرآن كاملاً كل يوم، ويصوم كل يوم حتى طالبه النبي عليه السلام بالتخفيف.. فذات يوم اهتز قلب عبد الله شوقا للجنة عندما رأى شخصاً من عامة الناس يبشره النبي بالجنة ثلاث مرات في المسجد، في ثلاثة أيام متتاليات، فأراد اكتشاف سر الرجل فطلب منه أن يستضيفه، فاستضافه، لكنه فوجىء بما رأى، فالرجل لا يقوم الليل ولا يصوم النهار مثله. لذا لم يتمالك عبدالله نفسه فكاشفه قبل توديعه سائلاً عن سره، فأجابه بكلمات عذبة قائلاً: (ما هو الا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين (غشا) (ولا أحسد أحداً) على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهى التي لا نطيق –أحمد بسند صحيح) الغش والحسد مفردات قد تهون في نفوس البعض، لكن كوارثها عظيمة، ومن كوارثها تلك المآسي والأحزان التي ألمت ب(جدة)، وقد نزه الله تعالى أنبياءه عن الغلول وهو نوع من الغش وهدد من يرتكبه فقال: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وتوعدهم نبينا عليه السلام بمصير مخيف عندما قال لأصحابه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار -مسلم) وفي جدة كان الغش أحد أسباب غرق هذا، وتشريد هذا وتلف سيارة هذا وضياع مال هذا وهدم بيت هذا.