في خضم ما تمر به المنطقة العربية من تحديات مصيرية، ووسط ما تعيشه المنطقة برمتها من أحداث مهمة مدلهمة، يحط صقر العروبة وملك الإنسانية وفارس الجزيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في بلده الثاني مملكة البحرين، والتي نراها وبحق دولة النظام والقانون؛ حيث يحل ضيفاً على أخيه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك دولة البحرين الشقيقة يحفظه الله، ونظراً لكون هذه الزيارة هي الزيارة الرسمية الأولى لخادم الحرمين الشريفين منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية إلا أنها تكتسب أهمية كبرى، وتجسد واقعاً حياً، وتحمل دلالات كثيرة لا سيما أن كانت في هذا التوقيت بالذات. نعم.. إن زيارة خادم الحرمين امتداد طبيعي وتحرك مهم يعكس تاريخاً عريقاً، وتواصلاً مهماً، وأخوة حقيقية بين البلدين الشقيقين، والقيادتين الحكيمتين، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين، في لقاءاته الصحفية المتعددة.. وهو ما نؤكده هنا كذلك.. لكننا نرى أن لهذه الزياة دلالات مهمة أخرى لعل من أهمها، توطيد أواصر الأخوة والتعاون بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين المهمين والشعبين الشقيقين، لا سيما في المجالات الاقتصادية والحديث عن تدشين الخط الملاحي بين الدولتين، ومن هذه الدلالات كذلك التأكيد على وقوف المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً مع بلدهم الثاني في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، لا سيما مع اتحاد مواقفهما إزاء كافة القضايا الخليجية والعربية والدولية ممثلة في دعم المسيرة التكاملية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي وتعزيز التضامن العربي والإسلامي المشترك. من ناحية أخرى نرى أن عمق العلاقة الاستراتيجية والاجتماعية والثقافية بين شعبي البلدين جعل البلدين الشقيقين يمثلان نموذجين رائعين في مجالات الإصلاح والتحديث والحريات مع الحفاظ على الثوابت الأصيلة في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة، وهو ما لمسته بنفسي منذ فترة قريبة حيث تشرفت أنا وزملائي أعضاء المكتب الدائم لاتحاد الحقوقين العرب بالسلام على سمو رئيس الوزراء البحريني وكذا استقبال الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لبعض الزملاء، وذلك أثناء الاجتماع الثالث والثلاثين للمكتب الدائم لاتحاد الحقوقين العرب في العاصمة المنامة في الفترة من 3 إلى 4 أبريل نيسان الفائت تحت عنوان: (حماية حقوق الإنسان في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني) وهو ما يمثل أحد أهم وأكبر تجمع للقانونيين العرب؛ والذي تم برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي رئيس وزراء مملكة البحرين الشقيقة، وهو المعروف بمواقفه العربية الواضحة وتوجهاته الحضارية البارزة، بل إن هذا وإن دل على شيء فإنما يدل على التوجهات الإصلاحية التي أسسها ويرعاها ملك البحرين حفظه الله، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد وهو ما يتوافق تماماً مع توجهات أخيهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، حيث تشهد المملكة العربية السعودية بالتوازي مع مملكة البحرين عملية إصلاحية كبيرة في كافة المجالات لا سيما ما يتعلق بمجال القضاء ومجال الحريات التي تتمتع بها المملكتان، ففي مملكة البحرين نرى عدة معالم بارزة ومهمة تدل على التطور القضائي والارتقاء المتنامي فكراً وعملاً، أبرزها إنشاء المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء وصدور قانون الجمعيات السياسية، وغير ذلك.. ولا غرابة لدينا هنا في حدوث هذه التغيرات الكبرى في بلدنا الثاني مملكة البحرين العزيزة إلى قلوبنا بالتوازي مع المعالم البارزة في المملكة العربية السعودية المتعلقة بذات التوجه الذي يرعاه خادم الحرمين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني بما ترتب عليه تطور قضائي واضح وذلك باستحداث وتشييد عدد كبير من المحاكم الإدارية في جميع مناطق المملكة العربية السعودية وكذلك محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، بل وصدور عدة أنظمة قضائية وإنشاء هيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان، وما يتعلق بمبادرة خادم الحرمين الشريفين بالحوار بين المذاهب والأديان والتأسيس لمبدأ المواطنة؛ كل ذلك برأينا إنما يدل دلالة واضحة على حرص القائدين على إرساء مبادئ العدل وقيم الحرية، بما يتواءم مع الهوية الثقافية لمنطقتنا العربية والإسلامية. وإنه وأخيراً وليس آخراً نرى أن من أهم دلالات هذه الزيارة التاريخية وبحق إنما هو التأكيد على وحدة الهدف والمصير الذي يجمع شعبين اختلطت دماؤهم واعتمرت قلوبهم بدينهم وعروبتهم؛ كما نرى في هذه الزيارة وضعاً للبنة جديدة من لبنات المحبة والوفاق، وإحكام متين لحلقة استثنائية وعميقة في مسيرة تعميق وتوطيد علاقات التعاون المشترك ليس بين البلدين الشقيقين فحسب بل في عموم مجلس التعاون الخليجي والذي ينعكس بدوره وبلا شك بالإيجاب على العلاقات العربية والإسلامية، فكيف أن كانت تعزز أهمية هذه الزيارة روابط الإخاء والمحبة المتميزة والممتدة إلى جذور التاريخ، والمستندة على أساس راسخ من العلاقات الأخوية التي تزداد صلابة على مر الأيام، عاش الملكان ذخراً لشعبيهما وعاش الشعبان محبان لمليكيهما. *عضو المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب