أن تقدم لنا مؤسسة عالمية دراسة علمية تكشف أن هناك 1000 سعودية من حملة الدكتوراة عاطلات فهذا أمر جد خطير يستلزم البحث والتحري، ولكن أن تخرج علينا وزارة العمل تنفي المعلومة وتؤكد اعتذار الشركة عنها لأنها استقتها من "صحيفة إلكترونية" فهنا الأمر يستلزم منا وقف لمحاولة فهم ما يجري، لذا دعونا نسرد القصة من البداية وحسب تسلسل الأحداث لنعرف ما إذا كانت المعلومة حقيقية أم لا وما هو مصدرها. • يوم الاثنين 29 مارس 2010 نشرت جريدة الاقتصادية خبراً مفاده أن دراسة علمية أصدرتها حديثا مؤسسة "بوز آند كومباني" كشفت أن هناك أكثر من ألف عاطلة "سعودية" تحمل شهادة دكتوراه". • على خلفية تلك الدراسة كتبت مقالاً في جريدة اليوم بعد نشر الدراسة بيومين (يوم الخميس 1 إبريل 2010) طالبت فيها أنه "أن يصل المجتمع توضيحات بهذا الشأن" واعتبرت أن "وجود أكثر من ألف عاطلة يحملن الدكتوراه بمثابة إهدار لثروتنا البشرية لفئة كان يفترض أن تكون في الصفوف الأولى في معركة التنمية والنهوض بالوطن"، ونظرا لأهمية الأمر تحدث فيها لاحقا أيضا عدد من الكتاب في صحفنا على مدار الأيام الماضية. • في 14 إبريل2010، أي بعد نحو أسبوعين من نشر الدراسة، نشرت عدد من الصحف توضيحاً من المتحدث الرسمي لوزارة العمل حطاب بن صالح العنزي بين فيه أنه على خلفية نشر دراسة "بوز آند كومباني" تم الرجوع إلى قواعد بيانات وزارة العمل وكذلك بيانات بحث القوى العاملة لعامي 2008 و2009 ولم يثبت في كليهما تسجيل حالة واحدة من حملة الدكتوراه من الإناث عاطلة عن العمل، وأوضح حطاب أنه تم الاتصال بالشركة للتعرف على مصدر المعلومة، وقد أوضح المختص أن الدراسة استندت إلى خبر نشر في إحدى الصحف الإلكترونية، وقد اعترف بالخطأ المنهجي، الذي ارتكبته الدراسة معتذراً للوزارة عن ذلك. في الحقيقة توضيح الوزارة واعتذار "بوز آند كومباني" كلاهما يثيرا الكثير من التساؤلات، أكثر مما يقدما إجابات، فقد كان أمر طيب من الوزارة أن تتحرك وتبحث وتتحرى عن مصدر المعلومة – نظرا لأهميتها- لتقدم إجابات واضحة للرأي العام عن حقيقة الأمر، ولكن الوزارة في ظني – وإن ليس كل الظن إثم - كانت تبحث عن المعلومة بغرض النفي لا بهدف الوصول للحقيقة، لذا فما أن بحثت في قواعد بياناتها ثم تلقت اعتذار الشركة اكتفت بالأمر وخرجت علينا تبشرنا بنفي المعلومة، وكان من الأجدى أن يسبق هذه الخطوة التحري عن الصحيفة الإلكترونية والتأكد من مصدر معلومتها – ربما تكون صحيحة -، ولأن الوزارة لم تقم بذلك – حتى وقت كتابة هذا التقرير – فقد قررت أن أقوم بهذا الأمر حتى أوضح الأمور لنفسي وللوزارة وإياكم، ولم يكن الوصول لأصل الدراسة أمر صعب كونها منشورة على الموقع الإلكتروني للشركة (http://www.booz.com/media/uploads/Womens_Employment_in_Saudi_Arabia.pdf ) أما المعلومة محل الجدل ففي الهوامش تجد مصدرها واضح، وكان ظني صحيحا فلم يكن المصدر غير موثوق به كما يعطيك إيحاء لفظ "صحيفة إلكترونية" بل كان المصدر صحيفة لها احترامها ومصداقيتها، فقد نسبت الدراسة المعلومة لجريدة الاقتصادية بتاريخ 16 مايو 2009 صفحة 24، وقمت بنفسي بالعودة إلى الجريدة في نفس التاريخ، ووجدت المعلومة منشورة منسوبة إلى د. هتون الفاسي الأكاديمية في جامعة الملك سعود والباحثة الاجتماعية في قضايا المرأة خلال مشاركتها في منتدى المرأة الاقتصادي الثاني في المنطقة الشرقية الذي عقد في 12-13 مايو 2009، وبحسب ما نقلت الجريدة عن الفاسي أن " هناك نحو ألف امرأة حاصلة على شهادة الدكتوراة في تخصصات معظمها جديدة ولا يحصلن على فرص عمل"، ورغبة في التمحيص والتأكد وجدت المعلومة نفسها – مع اختلاف الرقم - في جريدة الوطن (يوم الأحد 17 مايو 2009 العدد 3152) حيث نقلت الجريدة عن الفاسي أن " هناك 600 سعودية يحملن درجة الدكتوراه في قائمة العاطلات"، اختلاف الأرقام عن المصدر نفسه بين الصحف، جعل الدكتورة هتون هي الحل لفك هذا الالتباس، وهذا ما فعلته بنفسها بالفعل في مقال نشر بجريدة الرياض (بتاريخ الأحد 14 يونيو 2009م العدد 14965) تحت عنوان "حقيقة أرقام البطالة النسائية" أكدت فيه بالفعل أنها قدمت خلال مشاركتها في منتدى المرأة الاقتصادي ورقة حول المعوقات التشريعية لعمل المرأة السعودية، أشارت فيها أن "عدد النساء ممن هن" خارج قوة العمل" من حاملات الدكتوراه: (577) خمسمائة وسبع وسبعين دكتورة، و(2317) امرأة من حاملات الماجستير والدبلوم العالي، و(322,464) ثلاثمائة واثنين وعشرين ألفاً وأربعمائة امرأة تقريباً من حاملات البكالوريوس"، وأكدت في مقالها على أن الإحصائيات التي أوردتُها كانت معتمدة على جداول إحصاءات "مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات" والموجودة على موقعهم الإلكتروني. لذا كان لزاما علينا أن نضع عدد من النقاط على الحروف، فإن كانت "بوز آند كومباني" وهي شركة عالمية تعمل في تقديم الاستشارات الإدارية للمؤسسات والحكومات قد اعتمدت في دراستها العلمية على رقم ذكر في صحيفة دون أن تستوثق منه فهذه طامة، والطامة الأكبر أنها مجرد اتصال الوزارة بها تعتذر لها وتقول لها أن المعلومة من صحيفة إلكترونية وكأنها صحيفة مجهولة، وكان بإمكانها بإجراء بحث بسيط تصل لمصدر المعلومة وتستوثق منها، أما أن تتصرف بهذا الشكل فهذا يجعل مصداقية الدراسات التي تقوم بها الشركة على المحك. ولوزارة العمل أقول – بمعزل عن اعتذار الشركة لكم فها أنا قد اوضحت لكم المصدر - ولكن أرجو إذا صدرت توضيحات لاحقة منكم أن تفرقوا في بياناتكم عن من "هم خارج قوة العمل" أي عدد العاطلين الفعلي، وبين الباحثين عن العمل، وإن كنت اعتبر في مقال سابق أن الكشف أن أكثر من ألف عاطلة سعودية تحمل شهادة دكتوراه يستلزم وقفة جادة للبحث والنقاش، فإن 577 دكتورة عاطلة عن العمل وأكثر من ألفين من حملة الماجستير ينسحب عليه الأمر نفسه، لذا ما زلنا بحاجة إلى توضيح إما التأكد من صحة المعلومة أو نفيها بشكل قاطع، وتوضيح ما جرى من التباس. وختاما – بصرف النظر عن صحة الرقم من عدمه - يجب على الوزارة أن تتقبل النقد بصدر رحب وألا تكون هناك وصاية على المعلومات التي تطرحها المؤسسات البحثية وإنما تتم مناقشتها بموضوعية وحيادية بهدف الوصول للحقيقة والتحرك بما يفيد المجتمع، وإلا فماذا عن عدد العاطلين عن العمل حسب الاحصائيات المعتمدة والذي يقدرون ب 420 ألف عاطل عن العمل هل ستنكر الوزارة ذلك بدلاً من مواجهتها وأخذ التدابير اللازمة حيال معالجتها. آمل من معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي - شفاه الله - أن يتسع صدره كما تعودنا منه دائماً حيال مناقشة القضايا وأن يسمح لدور البحث والباحثين الإدلاء بأصواتهم ومناقشتها بطرق علمية..