أسوأ البشاعات عندما تبرر بالدين. اشتهاء الأطفال مرض محدد ومعروف ويعاقب المريض عليه أمام كثير من القوانين الإنسانية, وقبل كل هذا يثير الاشمئزاز عند أصحاب النفوس السوية. يعرف هذا المرض في الأوساط العلمية بالبيدوفيليا وهو شقيق لمرضين آخرين هما اشتهاء الجثث( نيكروفيليا) واشتهاء الحيوانات( زوفيليا). إذا كان المرضان الأخيران لا يضران سوى صاحبيها فإن مرض اشتهاء الأطفال يضر بالمجتمع وبالقطاع البريء فيه. وللسيطرة عليه أنشأت الدول المتحضرة منظمات تتابعه وتحاول علاج المصابين به حماية لضحاياهم المستقبليين. وبغض النظر عن أي ذريعة, لا يمكن لرجل أن يتطلع جنسيا إلى طفل أو طفلة إلا إذا كان مصابا بهذا المرض. قرأت يوم أمس الأول بحثا مفصلا كتبته الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز. تناولت فيه هذا المرض في صيغته المحلية والتباسه مع الديني والاجتماعي. فندت المسوغات التي تبرر الزواج من القاصرات فقهيا وفي مقدمتها حجة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد تزوج من عائشة رضي الله عنها وهي في سن التاسعة. تقول الأميرة( ..يتعلل البعض في سياق الجدل الدائر حول هذه المسألة بزواج النبي "صلى الله عليه وسلم" من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت 9 سنوات. وهؤلاء لم يعطوا لأنفسهم حتى فرصة تأمل حقيقة تمكنهم من فهم هذه الواقعة على صورتها الصحيحة). هذه الحقيقة التي أشارت إليها الباحثة تضم في داخلها مجموعة حقائق تبدأ من تحليل مسألة زواج الرسول عليه الصلاة والسلام حتى تصل إلى المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة والتزمت بها. أشارت الأميرة في هذا السياق إلى نقطة قلما نوقشت بين المثقفين السعوديين رغم أهميتها وخطورتها على التطور الاجتماعي. الفرق الجوهري بين مجتمع عدد سكانه 26 مليون نسمة ومجتمع المدينة الصغير والبسيط . مناقشة هذه النقطة على نطاق واسع ربما تسعفنا لتفهم جوهر الدين دون الانحباس في الماضي بوصفه تاريخا. لم يغفل البحث مسؤولية المملكة في المجتمع الدولي.لا يمكن لدولة هي جزء من العالم الحديث أن تعزلها فتاوى تجاوزها الزمن. أتمنى على سمو الأميرة أن تمضي قدما في هذا البحث الخطير. أن تقتحم المنطقة المظلمة الغائبة عن الناس. أن تتأمل في السيرة العاطفية والعدلية لمن يقدم على هذا النوع من الزواج علما أنها أشارت إلى صحة أولياء أمور القاصرات العقلية؛ حيث تبين لها أن معظمهم يعاني من مشكلات نفسية تفقده الأهلية والحس السليم. من الثابت علميا أن هؤلاء الذين يطلبون هذا الزواج يعانون كما أشرنا من مرض بيدوفيليا. النظر في القضية من الناحية القانونية والقضائية يدفعنا لأن نبحثها من الناحية المرضية أيضا وأن نبحث في سجل طالبي هذا الزواج العدلي والأمني. القضية تراوح بين المرض والجريمة. بارك الله في الأميرة الشابة على هذا البحث القيم الذي يعكس وعيَ ونبل صاحبته. في الأخير أتمنى أن توسع نشاطها من البحث العلمي إلى العمل الميداني بقيادة حركة نسوية(وهي بنت سلمان بن عبدالعزيز) تسهم في تحرير المرأة السعودية من نير التقاليد البالية.