إن ما يجمع بين المملكة وجمهورية الهند هو أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، فالقضية لم تعد تبادل مصالح بقدر ما هي شراكة، وهذا ما أكد عليه الأمير سلمان بن عبدالعزيز في أحاديثه هناك منذ قديم الأزل والحضارة الهندية تمتلئ بالحكم والحكماء، وهي قصة مشوقة وعصارة تجربة وملحمة تاريخية ، وكأن الهند تسير على هدى تلك المقولة لأحد فلاسفتها حينما قال :"من الأفضل أن تمشي ببطء إلى الأمام على أن تمشي مسرعاً إلى الخلف"، ويبدو أن السعودية لم تحد أيضا عن تلك المقولة، حيث النظر إلى الأمام بثبات وتؤدة رغم المصاعب إلا أن الإصرار على تخطي العقبات، ومحاولة الدخول إلى عوالم الكبار والقوى المؤثرة على الساحة، هذا الهدف ربما كان حلما للدولتين قبل عقود، لكن من يتأمل خططهما ورؤيتهما للمستقبل يشعر بأنهما تقاسما ذاك الهم المشترك، وبدآ يشتغلان عليه من أجل إنجازه في القادم من الأيام. ولذا كان من الطبيعي أن ُتطرح ثمة تساؤلات عند قيام مسؤول سعودي كبير بحجم الأمير سلمان بن عبد العزيز بزيارة إلى نيودلهي، فالتساؤل يدور حول المغزى والهدف من هذه الزيارة، لا سيما وأن الضيف يمثل القيادة السعودية وأحد صانعي القرار في الدولة السعودية الحديثة، وهي التي ُتعد الثانية خلال هذا العقد، بعد الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2006، حيث شكلت رافعة أساسية في منظومة العلاقات السعودية الهندية وإيذانا ببدء فعلي لتعاون مشترك بين البلدين . على أن المراقبين يرون أن الزيارة جاءت لتُدشن مرحلة جديدة في مفهوم الشراكة الفاعلة المنتجة ، ولترسخ علاقة تجاوزت عشرات السنين رغم ما شابها من فتور في مرحلة من المراحل نتيجة لظروف سياسية، بدليل أن برنامجها كان حافلا باللقاءات مع مختلف الشرائح السياسية والاقتصادية ما يعني الانطلاق لآفاق رحبة وتعاون جاد في ملفات الطاقة والإرهاب والاستثمار. على أنه ثم اعتقاد لدى البعض من أن السعودية في علاقاتها، تنزع في توجهها نحو الدول الغربية، خصوصاً الولاياتالمتحدة منها، وهي نظرة قاصرة وقراءة سطحية للمشهد العام، فالسعودية دولة لها سيادة وتنطلق منها في علاقاتها من خلال معيار ما يحقق مصالحها، وهذا حق مشروع لها كما هو لغيرها، والمتابع لخطواتها واتفاقياتها، يلمس أنها لا تضع كل البيض في سلة واحدة، فهي تؤمن بالتنوع والتوسع مما يضمن لها مردودا سياسيا واقتصاديا وعسكريا ليساهم في تحقيق أمنها ومصالحها الوطنية، ولعل زيارات القيادة السعودية للصين وروسيا واليابان، إشارة إلى ضرورة التنوع كفلسفة ورؤية، ومبلورة قدرة صانع القرار السياسي في قراءة المتغيرات الراهنة على الساحة الدولية. على أن السعودية تنفرد بأولويات سبق أن وضعها المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز، حيث إن لها أسساً في فلسفة سياستها الخارجية لا يمكن لها ان تتنصل منها، تتمثل في عمقها الإسلامي ودعمها للقضايا العربية ودورها في السلم والاستقرار، ما جعلها رقماً كبيراً في معادلات المنطقة ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية، ولذا هي دائما من خلال زيارات قادتها تؤكد تلك المبادئ مما أهلَها لفتح فضاءات مع دول العالم على قاعدة الاحترام المتبادل والندية والتعاون والتعايش. إن ما يجمع بين المملكة وجمهورية الهند هو أكثر بكثير من نقاط الاختلاف، فالقضية لم تعد تبادل مصالح بقدر ما هي شراكة، وهذا ما أكد عليه الأمير سلمان بن عبدالعزيز في أحاديثه هناك، كونهما من كبريات دول مجموعة العشرين، ويتمتعان باحترام وتقدير دولي لانتهاجهما سياسة معتدلة وحرصهما على إشاعة السلام والأمن الدوليين. إن العلاقات السعودية- الهندية شهدت قفزة نوعية في دعم مسيرة التعاون بينهما، وأصبحت معلما لتنمية التفاهم وتعزيز الشراكة في إطار مصالحهما المشتركة، فزيارة الملك عبد الله عام 2006 إلى الهند، وزيارة رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة-وفق المتابعين- يرون أنهما شكلتا نقطة تحول إيجابي ملموس في تطوير العلاقات السعودية- الهندية معتبرين أن إعلان الرياض ونيودلهي خريطة طريق لعلاقة شراكة إستراتيجية طويلة المدى بينهما.لاسيما أن زيارة الأمير جاءت لتبعث برسالة مفادها أن المملكة دولة سلام، وحريصة على استقرار وأمن منطقة جنوب آسيا فضلا عن تعزيز علاقاتها الإستراتيجية مع نيودلهي. لقد شهدت العلاقات الاقتصادية قفزة نوعية بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين للهند في العام 2006م. حين بلغ حجم التبادل التجاري في العام 2008م حوالي 27 مليار دولار أمريكي. فالسعودية أصبحت مصدرا رئيسا لحاجة الهند من البترول الخام ُقدرت بحوالي 30 في المائة، فيما احتلت الهند المرتبة الخامسة على قائمة أهم عشر دول تصدر وتستورد منها السعودية. أما قضية الشرق الأوسط، فنجد أن الطرفين متفقان على إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتفعيل الجهود الرامية بغية الوصول إلى السلام العادل والشامل في المنطقة المؤدي إلى إنشاء دولتين مستقلتين. أما الأقلية المسلمة فيتجاوز عددها 150 مليون نسمة، وهو أمر إيجابي يعمق رابطة التواصل مع العالم الإسلامي.كما أن الهند ُتثمن الخدمات التي تقدمها السعودية لأداء شعائر الحج والعمرة للحجاج الهنود،ولذلك فاحتضان السعودية لأكثر من مليون ونصف هندي حيث يحظون بمعاملة كريمة، إلى جانب أكثر من 140 ألف حاج ومعتمر يشكلون بلا مواربة تواصلا دينيا وثقافيا مع السعودية . وهنا يحضرني غاندي صاحب فلسفة اللاعنف (الساتياراها) وقد كان مدافعا عن حقوق الأقلية المسلمة، وُقتل غدرا عام 1948، فعندما سئل القاتل عن سبب قتله لغاندي قال: لأنه ضحى بمصالح الهند إرضاء للمسلمين كونه أحبهم أكثر من نفسه. وكان الأمير سلمان قد زار متحفه، وأبدى تقديره واحترامه لشخصية غاندي في خدمة الهند ومساعيه في السلام والخير لشعبه. لقد قال المهاتما غاندي منذ زمن عن الإسلام: "لقد أصبحت مقتنعا أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته, بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول-صلى الله عليه وسلم- مع دقته وصدقه في الوعود, وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه, وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.هذه الصفات هي التي مهدت الطريق. وتخطت المصاعب وليس السيف" ومن أقواله الخالدة أيضا "الإسلام هو الذي ساوى بين الإنسان وأخيه، لا تحرموا الإنسان من المساواة التي نادى بها الإسلام ونبي الإسلام". ولعل إيراد تلك الأقوال له ما يبرره هنا ،ففي لقاء الأمير المثقف والمحنك سياسيا مع الرئيسة الهندية براتيبها باتيل؛ أهدته نسخة من كتاب المهاتما غاندي والذي يعتبر الرمز والملهم لهم ، فكانت في تقديري رسالة ولفتة رائعة منها باعتزازها وتقديرها للمملكة، وإبداء احترامها للإسلام ،لاسيما أن في حديث غاندي من الدلالات والومضات ما يكشف حقيقة مشاعره تجاه الإسلام. والحقيقة أنه لم يتبادر إلى ذهني هدية رمزية ومعبرة ولافتة أفضل من تلك التي ُقدمت للأمير. ففي عبارات غاندي اختصار لمجمل العلاقة ما بين الثقافتين أو ربما الدولتين... ألم تختزل في مضمونها آلاف الكلمات ومشاعر التلاحم والتلاقي لحضارتين لعبتا دورا مفصليا في تشكيل التاريخ؟!.ألم تحمل في ثناياها سر العلاقة ما بين الشرق والإسلام؟ هي كذلك بالتأكيد ....ويبدو أنها قصة لم تنتهِ بعد!!