الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون خارج الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها سواءً حديثاً أو منذ فترة بعيدة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه "دنيا الرياضة" عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم هو المفكر والروائي الدكتور تركي الحمد. * يضرب الكثير من المثقفين والكتاب أسافين بين الرياضة والثقافة؛ ظناً منهم بأن ذلك يزيد من نخبويتهم؛ لكنهم لا يتأخرون في التسلل إلى الوسط الرياضي عند أي قضية يمكن لها أن تدر عليهم أرباحاً جماهيرية، وأزمة الجزائر ومصر الكروية نموذجاً، إلى أي مدى يتفق الدكتور الحمد مع هذا الطرح؟ - المثقف إنسان أولاً وآخراً، أو هكذا يُفترض أن يكون الأمر، فإن تكون مثقفاً لا يعني الانفصال عن الصفة الإنسانية، أو البحث عن نخبوية مفترضة أو فوقية معينة، ومن كان هذا هو ديدنه فإنه بعيد كل البعد عن صفة الثقافة والمثقف، وإن ألصقت به أو حاول ادعاءها. وبصفته إنساناً في الأول والآخر، فإن اهتمامات المثقف لا تختلف عن اهتمامات أي إنسان آخر، فهو يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق، يبكي ويضحك ويتألم ويفرح، ومن ادعى غير ذلك فلا بد أنه يتحدث عن كائن مختلف ليس له علاقة بهذه الأرض. من هذا المنطلق فإن المثقف الذي يدعي كراهة الرياضة، بصفتها رياضة، وتعالياً على عامة الجمهور، وليس من باب عدم الاهتمام، لا يمكن أن يكون مثقفاً، فجزء من الثقافة أن يكون هناك اهتمام بكل ما يجري في المجتمع من أنشطة، وليس التعالي على المجتمع وشؤونه. أما بالنسبة لما ذكرت في سؤالك الأنف، فيمكن القول إن من يفعل ذلك ليسوا إلا ديماغوجيين باحثين عن الإثارة وجماهيرية مزيفة، ولا علاقة لهم بشأن عام أو ثقافة. * قلت في مقالة لك بعنوان (أنت فين والدنيا فين): " إن عالم اليوم مشغول بما يمكن أن يجنيه الإنسان من فائدة من الثورة البيولوجية المعاصرة واكتشافات علم الجينات والكيمياء الحديثة وما قالت به الفيزياء، ونحن مشغولون بحكم لعب كرة القدم، أحلال هو أم حرام". هل بالفعل بأن ثمة من لا زلوا مسجونين في زنازين الأفكار الضيقة، أم أن الحمد يريد تجييش الجميع ضد مخالفيه بمن فيهم أنصار كرة القدم؟ - وما أكثرهم يا أخي الكريم، بل أن هنالك فتاوى صادرة من شيوخ بارزين تحرم لعبة كرة القدم، أما حكاية التجييش هذه فلم ترد لي على بال. ثم هل تعتقد أن جماهير اللعبة ينتظرون رأي تركي الحمد كي يحددوا مواقفهم من هذه اللعبة أو تلك؟ تركت تشجيع الاتفاق والعاصمة لم تجرني لا للهلال ولا للنصر * كتبت في مقال بعنوان (البنية التحتية للتفوق): "لأن المنافسة والتفوق يقومان على مبادئ وأفكار وقوانين لا يعترف بها العقل المؤدلج، وذلك مثل جماعة لا يلعبون إلا لعبة "الغميمة"، ولا يعترفون بغيرها من الألعاب، ومع ذلك يريدون المنافسة على كأس العالم في كرة القدم"، إلى أي مدى يمكن إسقاط ما تقول على الواقع الرياضي السعودي؟ - كان هذا ضرباً للمثل ليس إلا، وذلك للمقارنة بين واقعنا الفكري والثقافي وواقع العالم من حولنا، ولم يكن وصفاً لحالة معينة سواء عندنا أو عند الآخرين. * ذات حوار معك، وصفت الخروج السريع للمنتخب السعودي في مونديال ألمانيا 2006 بالكارثة والفضيحة، ترى كيف تصف حال المنتخب اليوم وهو يعجز عن التأهل لمونديال جنوب أفريقيا؟ - لا أقول إلا كما قال الشاعر: رب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه. * بعد خسارة المنتخب السعودي من ألمانيا بثمانية أهداف نظيفة، لخصت الحال بجملة "يخلف الله"، فكيف ستلخص حاله اليوم، وهو يكتفي بالفرجة على المونديال الأفريقي؟ - كما يقولون في أمثالنا الشعبية: من جرف لدحديرة، رغم كل الملايين المنفقة، ولكن يبدو أن هنالك عيباً لا يمكن المساس به. * أعلنت صراحة عن ميولك لنادي الاتفاق بحكم نشأتك في الدمام التي كتبت رواية عن أحد أحيائها وهو (العدامة)، لكن (اتفاقك) اليوم يعيش واقعاً مأساوياً، فما أسباب تلك المأساة في اعتقادك؟ - حالياً لا أميل لأي ناد، بل يستهويني اللعب الجميل، أما وضع نادي الاتفاق حالياً فيُسأل عنه أهل الدار، فأهل مكة أدرى بشعابها. * ها أنت اليوم تعود للعيش في العاصمة الرياض، ما يجعلنا نعيد السؤال عليك، من يحرك أحاسيسك التشجيعية حالياً (نادي القرن) أم (العالمي)، أو ببساطة شديدة.. الهلال أم النصر؟ - لا هذا ولا ذاك، بل اللعب الجميل سواء كان هلالياً أو نصراوياً أو غير ذلك. * لا زالت الرئاسة العامة لرعاية الشباب تدعي بأن الأندية تعنى بالشأنين الثقافي والاجتماعي إلى جانب الرياضي، إلى أي مدى تتفق مع هذا الإدعاء؟ - لا أتفق معه مطلقاً، فالشأن الثقافي والاجتماعي لا تجده إلا على لوحة اسم النادي وما عدا ذلك ليس إلا كلاماً في الهواء، وجعجعة بغير طحين. * كثيراً ما تحذر في كتاباتك من خطورة التعصب لاسيما في الجانبين الديني والسياسي، والسؤال هل يصدق على الاحتدام الرياضي لدينا وصف التعصب؟ - التعصب ملة واحدة، ولكن شعبه كثيرة، وكلها تنبع من ذات الذهنية. * تفوق المساحات الممنوحة للرياضة في إعلامنا المقروء نظيرتها الثقافية، فهل يحبطكم كمثقفين هذا الأمر، ام أنكم متصالحون مع الواقع الذي يفرض ذلك لأسباب جماهيرية وتسويقية؟ - بالنسبة لي، ولا أتحدث عن غيري، أنا متصالح مع مثل هذا الواقع، فلا يمكن أن أقارن شهرة لاعب كرة قدم شهير بشهرة مثقف، وأقارن بين الرأس والقدم حيث لن تكون النتيجة لصالح الرأس، والإعلام في النهاية يبحث عن الانتشار ومصالح أخرى تحققها الرياضة أكثر من الثقافة، ولكن عزاء المثقف أن إنتاجه باق ما بقي الزمان، فيما يختفي وهج أكثر الرياضيين حين يغادرون الملعب في النهاية. * عيناك مدرباً لمنتخب المثقفين السعوديين، وعليك اختيار تشكيلة مثالية، فأي منهم ستختار لإنجاح مسيرتك مع المنتخب؟ - كل مثقف عندنا يرى نفسه مدرباً يا عزيزي، ويلعب بكرته الخاصة، فكيف يمكن التعامل مع منتخب من مدربين لا يرى أن الآخرين على شيء.