من الإنجازات "الحميدة" التي ذكرها الرحالة الإيطالي ماركو بولو عن الامبراطور المغولي قوبلاي خان (الذي حكم الصين في بداية القرن الثالث عشر) تنظيمه لأول مسابقة لملكات الجمال في التاريخ .. فقد كلف البلاط الامبراطوري باختيار 365 محظية كل عام لقصره الخاص ووضع لذلك شروطاً صارمة غدت مرجعاً لكل من جاء بعده : .. فأولاً يجب اختيار الفتيات من مقاطعة تارتار التي يتميز سكانها بجمال طبيعي خاص .. وثانياً يجب أن تكون أعمارهن بين السابعة عشرة والسابعة والعشرين .. أما ثالثاً فيجب أن يتميزن بموهبة راقية كالغناء أو كتابة الشعر .. وحين تكتمل هذه الشروط يسرن أمام لجنة من الحكام في كامل زينتهن ثم إيابا في كامل (غير زينتهن) .. والفتيات اللاتي يحرزن نقاطاً بين 80 و 100 يوضعن تحت وصاية إحدى العائلات النبيلة لتعليمهن أصول "الاتيكيت" ورفع تقرير عنهن.. ثم الناجحات فقط ينلن شرف البقاء مع الامبراطور لليلة واحدة لا غير! طبعاً (اللهم لا حسد) ولكن امتلاك أكبر عدد من المحظيات كانت عادة تعبر عن عظمة الحاكم في العصور القديمة ؛ فملك أوغندا كونو ميتيسا مثلاً (1837-1884) كان يحتكر لنفسه 7000 زوجة وجارية . وحين دعاه المبشر الانجليزي وايجون إلى الاكتفاء بزوجة واحدة أجابه بخبث: "فقط إن وافقت الملكة فيكتوريا على تزويجي إحدى بناتها " !! أما سلاطين الدولة العثمانية فعرفوا بتنافسهم على جمع أكبر عدد من الجواري وحجزهن في "قصور الحريم". فالسلطان عبدالعزيز مثلا (1830- 1876) بدأ حكمه بزيادة عدد الجواري في قصره الخاص الى 900 (طلب نصفهن من ارمينيا). ورغم أن الأتراك والشرق عموماً اشتهروا بقصور الحريم إلا ان التاريخ يثبت أن ملوك أوروبا لم يبتعدوا بدورهم عن هذا المجال؛ فملوك فرنسا مثلاً كان لديهم زوجات وخليلات وعشيقات رسميات، الزوجة تنجب وريث العرش ، والعشيقات ينجبن أبناء يُعترف بهم ، أما الخليلات فلمجرد الترويح وتزجية النفس ! ولضمان تدفق سيل الجميلات ابتكر كل سلطان وحاكم ما يناسب الظروف المحيطة به . فالملك لويس الخامس مثلاً تعامل سراً مع دور البغاء في باريس كي لا ينكشف ورعه الكاذب . وللتوفيق بين بخله الشديد وعشقه للنساء كان قيصر روسيا "بيتر الأعظم" يتصيد زوجات العاملين في بلاطه الخاص . وزمن الدولة العثمانيه كانت قصور الحريم تضم أجهزة خاصة مهمتها التفتيش عن أجمل الجواري وترحيلهن لاسطنبول .. أما منافسات الجمال التي نظمها قوبلاي خان فلم تكن إلا توسيعاً لهذا الجهاز وضماناً لأفضل نوعية ممكنة !! .. وفي الحقيقة يخطئ من يظن ان هذه الممارسات انتهت بنهاية العصور القديمة .. فدوام الغريزة الجنسية يضمن دوام الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض .. الفرق الوحيد ؛ ان تجارة الرقيق تتلون كل عصر بما يناسب القيود الاجتماعية والمعتقدات الشعبية ؛ فالإسلام مثلا حرم الزواج بأكثر من أربع نساء ولكن قصور الحريم فاضت بما "ملكت أيمانكم" من الجواري والأسيرات . وفي حين يعيب الغرب علينا هذه العادة نظم هو تجارة الرقيق الأبيض في الماضي والحاضر بأسماء مخادعة وحجج مقنعة .. وفي حين اختفت أسواق النخاسة بشكلها القديم ظهرت اليوم بثوب جديد عبر الانترنت وقنوات البث الفضائي .. وفي حين احتكر "قوبلاي خان" مسابقات الجمال لأغراضه الخاصة تحولت اليوم إلى منافسات عالمية متلفزة تركز على تناسق الردفين ونعومة البترجين وتوفر خلفية .. لا تمت للثقافة بصلة !!