مدخل : لا شك أن الأدب الشعبي بكافة جوانبه يعتبراً مجالاً خصباً للدراسات والبحوث العلمية لأنه وسيلة التعبير الأكثر استخداماً بين أفراد المجتمعات بصفة عامة كما أن فيه من الدلالات اللغوية والسلوكية والثقافية وغيرها من الدلالات التي لا تخفى على كل باحث منصف، من هنا فلا نستغرب البحوث الأكاديمية المتخصصة التي تتعاطى مع أحد جوانب هذا الأدب وتجعله مادة للدراسة ومنها هذا الكتاب الذي بين أيدينا للشيخ الجليل الدكتور عبدالعزيز بن محمد السدحان الذي لم ينظر لأدبنا الشعبي من خلال ثقب الباب الذي نظر غيره من خلاله بل استطاع التطرق إلى موضوع هام لم يسبق إليه حيث بحث في تأصيل بعض الأمثال الشعبية المقتبسة من الأدلة الشرعية لفظاً أو معنى مع العناية ببيان ضعف الحديث إذا كان ضعيفاً فجزاه خيراً على هذا العمل الذي بذل فيه غاية الجهد والتجويد. اسم الكتاب ومضمونه: (أمثال شعبية من الجزيرة العربية مقتبسة من نصوص شرعية ) وهو اسم جامع مانع لمحتوى الكتاب وهو أمر تقتضيه الأطروحات الأكاديمية حيث إن فضيلة الدكتور كان قد اختار موضوع الأمثال لأطروحته في الماجستير ثم عدل عنها بعد أن جمع مادة علمية وفيرة قام بتصنيفها وترتيبها موضوعياً وكان من أهمها تلك الأمثال المأخوذة من لفظ آية أو حديث أو من معناهما. وقد صدر الكتاب بتقديم لدارة الملك عبدالعزيز التي قامت بنشر هذا الكتاب ضمن سلسلة كتاب الدارة إسهاماً في إلقاء الضوء على جانب من جوانب الأدب الشعبي في الجزيرة العربية . وقد جاءت مقدمة المؤلف متبوعة بمسرد لبعض كتب الأمثال العربية والعامية ثم تحدث عن الأمثال في القرآن والحديث وذكر شيء من المصنفات في ذلك ثم قام المؤلف بتحرير مسألة تضمين القرآن في كلام الناس وأمثالهم وخطبهم وغير ذلك ليعقبها بنبذة تتضمن التعريف بالموضوع الذي اختاره ثم وضح بيان لمنهجه في كتابه . منهج الكتاب : لقد وضح فضيلة الدكتور منهجه في هذا الكتاب كما يلي: 1 قسم الكتاب إلى أربعة أقسام: أ/ أمثال مستعملة بلفظ نص آية. ب/ أمثال مستعملة بمعنى آية. ج/ أمثال مستعملة بلفظ نص حديث. د/ أمثال مستعملة بمعنى حديث . 2 يورد المثل ثم يذكر مراجعه ثم يبيّن معنى المثل ومواضع استعماله . 3 يسوق دليلاً أو أدلة شرعية اقتبس منها المثل. 4 إن كان المثل مقتبسا من آية لكن الشاهد منه مذكور في خبر لا يصح، يذكر الآية ثم يورد الخبر ويبيّن الحكم عليه من كلام أهل العلم؛ فإن كان المثل مقتبساً من حديث ضعيف فإنه يورد الحديث ثم ينقل تضعيفه عن بعض أهل العلم، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما ذكر ذلك وإن كان في غيرهما ذكر بعض من خرّجه ثم نقل تصحيحه عن بعض أهل العلم. 5 عندما يكون في لفظ المثل محذور شرعي، فبعد إيراد الدليل المقتبس منه يذكر وجه المحذور الشرعي على اللفظ الذي جاء به المثل. 6 رقم الأمثال ترقيماً تسلسلياً حيث بلغ مجموع الأمثال الواردة في الكتاب456 مثلاً موزعة على أقسامه الأربعة. القسم الأول (أمثال مستعملة بلفظ آية) وقد جاء في 18 صفحة متضمناً 56 مثلاً منها : (ناقة الله وسقياها) ، (ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه) ،(الجروح قصاص). القسم الثاني( أمثال مستعملة بمعنى آية) وقد جاء في 55 صفحة متضمناً 160مثلاً منها:(على الباغي تدور الدوائر) ،(أتجر من قارون) ،(كل شاة معلقة بكراعها) القسم الثالث (أمثال مستعملة بلفظ نص حديث) وقد جاء في 28 صفحة متضمناً 76 مثلاً منها: (الفتنة نائمة لعن الله موقظها)، (عائل مستكبر) ، (لكل داء دواء) القسم الرابع والأخير وهو أكبر أقسام الكتاب(أمثال مستعملة بمعنى حديث) وقد جاء في 58 صفحة متضمناً 164 مثلاً منها: ( الكافر يعطى جنته في الدنيا)، (الشرع مطهرة)، (من شاورك دخل بذمتك). نهاية الكتاب: تضمنت قائمة بالمصادر وسيرة ذاتية للمؤلف الذي وصل عدد مؤلفاته إلى 36 مؤلفاً ثم كشاف عام للكتاب وأخيراً مسرد بإصدارات دارة الملك عبدالعزيز وقد جاء الكتاب في 250 صفحة من الحجم الصغير وهو جدير بالقراءة نظراً لما فيه من الفوائد الشرعية والأدبية ولفت الانتباه إلى بعض الأمثال التي تكرس للأحاديث الضعيفة والموضوعة ومنها على سبيل المثال (العرق دساس)، (عذاب هاروت وماروت)، (الحق مرّ) ، (اطلبوا الخير من حسان الوجوه)، (لاهم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين)، (النظافة من الإيمان). ملاحظات : رغم إعجابي بالكتاب ومحبتي للشيخ الفاضل إلا أن ذلك لن يمنعني من إبداء بعض الملاحظات اللطيفة التي لا تقلل من شأن الكتاب بقدر ما تؤكد قراءتي له وهي : 1 لم يوضح المؤلف الأساس الذي اعتمد عليه في ترتيب الأمثال في كل قسم من الأقسام الأربعة لمادة الكتاب. 2 لم يوضح المقصود بالرقم الذي يتبع الرمز الحرفي للمرجع فلا ندري هل يقصد رقم الصفحة أو رقم المثل؟! 3 خلا الكتاب من فهرس للأمثال لا شك أن الفهرس أمر يسهل وصول القارئ والباحث للمثل المقصود وهو أمر بديهي في مثل هذه الكتب العلمية المفيدة. 4 جاء في صفحة 78 المثل رقم107 بهذه الصيغة ( من التسعة اللي خرجوا في المدينة) نقلاً عن كتاب الجهيمان (الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية) والحقيقة أن صيغة المثل التي أعرفها ويؤيدها الشعر الشعبي ( من التسعة اللي خربوا في المدينة) كما قال مطوع نفي: اللي يسبون الأئمة شياطين (من التسعة اللي خرّبوا بالمدينة) ونعمٍ بهم وإن كان ما سد نعمين ما يذبحون إلا الفتاة السمينة 5 رغم أن المؤلف ذكر في منهجه أنه عند تكرار المثل بألفاظ متقاربة فإنه يذكر الألفاظ متوالية مع عزو كل لفظ إلى مراجعه، وهذا أمر جميل، ولكن أرى أنه لو جعل الأمثال المتقاربة لفظاً تحت رقم واحد ولم يفرد كل منها برقم لكان ذلك أفضل لأنه لا فرق بينها في دلالات ألفاظها ومعانيها مثل ما جاء في ص56 حيث وردت ثلاثة أمثال وهي في الأصل مثل واحد وإلا فما الفرق بين "بغيناه عون صار فرعون" و" بغيتك عون صرت عليّ فرعون" و "جيتك عون صرت علي فرعون"؟! والأمثلة على ذلك كثيرة في ثنايا الكتاب. 6 ذكر المؤلف ص37 أن عدد أمثال القسم الرابع 163 مثلاً ولكني أظنها 164 مثلاً على اعتبار أن مجموع الأمثال في الكتاب 456 مثلاً كما يظهر في ترقيمها.