إيران دولة مهمة في مختلف الظروف التاريخية وقد أُدخلت الصراعات الدولية بحكم موقعها وإمكاناتها الإستراتيجية والمادية والبشرية، وهي اليوم عنصر نزاع بين قوى غير مؤدلجة، ولكنها متباينة المصالح والأهداف.. فالكتلة الأوروبية وأمريكا ومعهما إسرائيل يسعون إلى إيقاف مشروعها النووي بكل الوسائل، المقاطعة، والحصار الاقتصادي، والتهديد بالضربات العسكرية الاستباقية، بينما محورا الصين وروسيا لا يقفان على نفس الخط، لأن مصالحهما فرضت التعامل مع الموقف المضاد ببعض الواقعية حين تشيران بضرورة الحل الدبلوماسي على أي تصعيد آخر، بينما الوجه الآخر يراوح بين مطالبة إيران بالالتزام بالقوانين الدولية حول امتلاكها سلاحاً نووياً، وأمام هذا التجاذب استطاعت إيران أن تستمر بمشروعها وتناور بكفاءة غير عادية بترحيل الضغوط أو تأجيلها لكسب الوقت في وضع الرأي العام العالمي أمام ما ينشأ من دافع جديد يفرض موقفه، ولذلك جاء السباق محموماً، وخاصة في كسب ود الصين وروسيا حتى لا تنشأ في ظل هذه القضية مواقف تضر بكل الأطراف.. جيران إيران يرفضون أن تصل إلى سلاح نووي لأن ذلك يعني تهديد أمنهم، سواء الدول العربية، أو تركيا أو بعض بلدان آسيا الوسطى، في نفس الوقت لا يؤيدون أن تقوم حرب مجهولة النتائج، ويرفضون أن تكون بلدانهم ممراً لأي هجوم قادم، ثم إن تعريض الشعب الإيراني إلى معاناة قاسية نتيجة المقاطعة الاقتصادية لن يوقف البرنامج النووي أو مشاريع الدولة، بل قد تصل هذه الإجراءات إلى توحيد صفوف الشعب مع الدولة، وكل ما يجري الآن أثبت أنه لصالح إيران لا ضدها.. في تجارب مماثلة تضرر الشعب العراقي من الحصار والمقاطعة، ولكنه لم يغير من هيكلية حكم صدام أو يضعفه، وكذلك بالنسبة لكوبا التي ظلت قلعة شيوعية بجوار القوة العظمى الأولى، والأمر ينطبق على كوريا الشمالية التي تصنع الصواريخ وتقدم تقنياتها لكل مشترٍ، وتزيد في ترسانتها النووية، وهذه الأحوال أوجدت منافذ تكسر المقاطعة، بل إن شركات الدول الراغبة في فرض هذا القرار هي من تدخل لعبة التعامل السري مع أي دولة منبوذة، وشهدنا ذلك في حرب العراق مع إيران، ولا تزال الأخيرة تُمد بأجهزة تساعدها على تكملة مشروعها النووي.. لعبة الشطار طويلة، فهل يتفقون على سن إجراء جديد على إيران لا يضرها، وقد يجردها من بعض المكاسب ضمن صفقات بين الكبار، أم تسوية مثل هذه القضية ستطول ويأتي العمل فقط من قبل أمريكا وأوروبا لتلحقها في النهاية الصين وروسيا؟ عموماً إيران تمارس سياسة متقنة لكن هل تستمر مستفيدة من تناقضات الآخرين أم تخسر الجولة الأخيرة؟ كل ذلك ستكشفه الأيام القادمة..