يأتي فرض العقوبات على إيران في وقت يقف العالم مهيأ لتفهم مطالبة العرب بجعل منطقة الشرق الأوسط منزوعة من السلاح النووي. والحصار الذي فرض على إيران بقرار من مجلس الأمن، يوفر فرصة ثمينة لتصعيد الضغط على الدول التي أصرت على معاقبة إيران لعدم تعاونها فيما يخص مشروعها النووي، والمطالبة بأن تعامل إسرائيل بالمثل خاصة وأنها تمتلك رؤوسا نووية وغير منضمة لوكالة الطاقة النووية الدولية، المعنية بمتابعة ومراقبة أنشطة الدول في هذا المجال. إضافة إلى ذلك سجل إسرائيل السيئ وتهديداتها لجيرانها ومخالفاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني وآخر الجرائم التي ارتكبتها الاعتداء على سفن الحرية في أعالي البحار المتجهة لفك الحصار عن غزة. وإيران كان بإمكانها أن تتصرف بشكل أفضل وتتجه للتركيز على التنمية الداخلية بدلا من الدخول في صراعات مع المجتمع الدولي وتزيد من شكوك جيرانها في حسن نواياها للتعاون معهم حتى لا تستمر المنطقة مسرحا للصراعات الدولية على حساب أمن واستقرار شعوبها، مع أن هذا النهج لا ينفي حقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية حسب ضوابط معترف بها دوليا تخضع للمراقبة والتفتيش أسوة بغيرها من مرافق الدول الأخرى النووية - باستثناء إسرائيل - الدولة المارقة التي كان يجب أن تعاقب بالحصار والمقاطعة قبل إيران وكوريا الشمالية. إن تصرفات أمريكا وحلفائها الانتقائية التي تستثني إسرائيل من سلطة القانون الدولي تبرز بجلاء ازدواجية المعايير والتحيز الدولي الذي لا تحسن الدبلوماسية العربية توظيفه لدعم استراتيجيتها لاستعادة الحق العربي الذي اغتصبته إسرائيل بدعم ومباركة من أمريكا وحلفائها. ومثلما وظفت إيران وجود سلاح نووي لدى إسرائيل في مسعاها لامتلاك ذلك السلاح، أصبحت إسرائيل تتذرع بنوايا إيران للحيازة على قدرات نووية، وأصبح العرب ألعوبة بين إسرائيل النووية، وإيران الساعية لذلك، وهدف الاثنتين امتلاك السلاح والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. ومن تاريخ المقاطعات السابقة يتضح أن الضحية الكبرى هي الشعوب وليس الحكام والمتنفذون مثلما حصل في العراق أيام صدام حسين، وغيرها من الأمثلة التي لم تؤدِ العقوبات الغرض الذي فرضت من أجله وهو إجبار القوى الحاكمة في تلك الدول على التخلي عن توجهاتها. والقرار الذي اتخذ ضد إيران يجب توظيفه بشكل فعال لاتخاذ موقف واضح من قدرات إسرائيل النووية، وإلا فإن المقاطعة ستفشل وسيفتح المجال لسباق نووي في منطقة الشرق الأوسط بكل ما يترتب على ذلك من فشل لمشروع تخليص العالم من السلاح النووي الذي راهنت عليه أمريكا وسيلحق ذلك الإخفاق أضرار جسيمة بمصداقية أمريكا السياسية، وقد يكون بداية انحسار دورها القيادي في العالم. إن رهان الدول العربية على وعود أمريكا - إن كان هناك وعود غير معلنة - على معالجة موضوع السلاح النووي الإسرائيلي بما يرضي الدول العربية! لا يمكن التعويل عليها لأن السياسة الأمريكية تسيرها المؤسسات ولا تعول على الوعود الدبلوماسية مثلما هو الحال في الدول التي تحكمها التصرفات الفردية. إن قرار العقوبات على إيران يوفر فرصة ثمينة للعرب يجب استثمارها للإصرار على نزع سلاح إسرائيل النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من ذلك السلاح وهذا بدون شك سيعزز الجهود لتخليص العالم من السلاح النووي.