لو أقسمت لكم أنني لم أقرأ (ولم أسمع) طوال دراستي للاقتصاد بأنه يوجد في علم الاقتصاد نوع من أنواع البطالة يسمى "البطالة الوهمية" هل ستتهمونني بأنني واحد من دكاترة الصيف (لقب كان يطلقه طلاب الجامعة على الأساتذة المشكوك في دكترتهم)؟ ماعليش اعتبروني واحدا من دكاترة الصيف, فأنا لا أنكر أنّني أوّل مرة أعرف أنه يوجد نوع من أنواع البطالة اسمها البطالة الوهمية عندما ورد ذكرها في خبر قرأته في الصحف لدينا منسوبا لمصدر مسؤول في وزارة العمل يقول: "ان البطالة لدينا - وفقا للتعريف العلمي .. ! - بطالة وهمية". الذي أتصوّره أن المسؤول اختلط عليه الأمر فبدلا من أن يقول أن سعودة العمالة لدينا سعودة وهمية قال البطالة لدينا بطالة وهمية. الحقيقة أن البطالة لدينا تختلف عن جميع أنواع البطالة المعروفة. ومن الخطأ أن نحاول أن نجد تعريفا في كتب الأقتصاد (أو حتى في تعريفات منظمة العمل الدولية) ينطبق على نوع البطالة التي تعاني منها المملكة, فهي بطالة من نوع جديد لم يألفه العالم وبالتالي من العبث أن نصنّفها تحت أي نوع من أنواع البطالة المألوفة. ومن العبث أيضا أن نقول ان البطالة لدينا تساوي 10 % أو أكثر أو أقل ونحن لم نتفق حتى على تعريف (أو بالأحرى لا نعرف) نوع البطالة التي نعاني منها. حتى اكون صادقا لا بد أن أعترف بأن بعض المعلّقين لدينا أصابوا (بينما أخطأ الأكاديميون) في تشخيص مشكلة البطالة عندما سموها عطالة لأنه - بالفعل - سواء انكارها أو طريقة حسابها وبالتالي جميع وسائل علاجنا للبطالة تؤدي فعلا الى تعطيل قدرات الشباب وتفقدنا الثقة بهم كما تفقدهم الثقة بأنفسهم. تحديد نسب السعودة وصندوق الموارد البشرية وبنك التسليف (وأخرى لا ترد على بالي الآن) ثلاث وسائل من أهم مجموعة الوسائل التي أنشأتها الحكومة خصيصا لمعالجة وباء البطالة ولكنها أصبحت بقدرة قادر مجرد مسكّنات تخفي الألم مؤقتا بينما تركت المرض ينتشر كالوباء داخل جسم المجتمع لأنه بدلا من استخدامها كأدوات تساعد على توظيف العمالة السعودية بصفة دائمة تم استغلالها - عكسيا- كمبرّرات للحصول على تأشيرات لاستقدام العمالة من الخارج. لقد حاولت قدر استطاعتي أن أتابع موضوع اقتراح صرف اعانة البطالة للعاطلين سواء ما يدور في مجلس الشورى أو مايكتبه الكتاب في الصحف. البعض يؤيدها اسوة بالدول الأخرى (بينما البطالة لدينا تختلف) والبعض يعارضها لأنه سيساء استعمالها كما ساء استعمال صندوق الموارد وبنك التسليف فتصبح البطالة لدينا مزمنة وتصبح اعانة العاطلين نوعا من مصروفات الضمان الاجتماعي الذي يعطى للعاجزين والمعوّقين, والبعض الآخر يؤيدها ليس شفقة على العاطلين بل لاتقاء ما يسمونه شرورهم (الأرهاب والسرقات وتجارة المخدرات) باعطائهم فتات (أو فضلات) المائدة. الحقيقة التي تغيب عن بال معظمنا أن مشكلة البطالة ليست هي مشكلة قاصرة على العاطلين وذويهم بل انها مشكلة تحيط بالجميع فهي القشّة التي مصيرها في النهاية أن تقصم ظهر اقتصاد المملكة عند أول هزة في ايرادات البترول فلا نستطيع صرف اعانات للسعوديين ولاصرف اجور للعمال غير السعوديين. الشيء الوحيد الذي يجذب العمالة من الخارج الى المملكة هي لقمة العيش التي لم تتوفر لهم في بلادهم فجاؤوا على أمل أن يحصلوا على القليل من كعكة البترول الذي يكفيهم لأن يبدأوا حياة كريمة بعد عودتهم الى بلادهم فعند انتهاء الكعكة سينفض السامر ولايبقى في البير الا حصاها (مثل مكّاوي). الاعانة من غير ضوابط ليست علاجا للبطالة وانما تكريس للعطالة. العلاج الوحيد للبطالة هو زرع الثقة في نفوس الشباب واعطائهم مايستحقونه من أجور وتعليمهم كيف يستخدمون الشباك لاصطياد السمك بأيديهم لا كيف يكتبون بها معاريض الاستعطاف للحصول على فتات السمكة. ولكن للاعانة ميزة وحيدة لا يمكن انكارها لأنها ستكشف لنا مدى مصداقية احصائية مصلحة الاحصاءات عندما يتبين لنا أن عدد المعاريض (لاسيما من الأيدي الناعمة) التي ستطلب اعانة البطالة ستكون أضعاف العدد الذي تصر مصلحة الاحصاءات أنه عدد العاطلين. * رئيس مركز اقتصاديات البترول "مركز غير هادف للربح"