هو السؤال... لم تتغير ملامحه.. ولم تتبدل دواخله.. ولم تتشكك يوماً في نوايا بحثه، وإن اختلفت في أهمية الشخص المعني بالأمر. تسأل عن الأحوال ربما عبوراً وحالة اعتيادية عندما تصادف شخصاً ما. وتسأل عنها باندفاع ايجابي يبحث عن الرد الحقيقي! وتسأل عنها بإحساس يحتضن ثمة ما هو مشترك بين السائل والمجيب! وقد يسألك أحدهم دون أن ينتظر إجابتك، ودون أن يكون معنياً بالإقامة معك في زوايا انتظار ما ستقول! احياناً بإمكانك أن تختار اجاباتك، وتنتقيها لو أردت الرد. وأحياناً تتثاقل الكلمات على أطراف لسانك، وتبدو مختلطة مع ترددك فيما ستقوله لو أضطررت للإجابة! وأحياناً إن لم تكن راغباً في المطلق ان تجيب، ستجد نفسك متهاوياً في أماكنك، محركاً تلك الملامح الجامدة بإشارة توحي للسائل أنك على ما يرام، أو شبه ما يرام. وإن كنت في ذلك المزاج الرايق، أو تفاعلت مع السائل فستدخل معه فوراً إلى قائمة الأولويات في الاجابة، وتفاصيلها! (تنشد عن الحال) عبارة كثيراً ما تتناغم مع ما أنت فيه! وكثيراً ما تنكئ الجراح، وتفتح الأبواب للحيرة، ولسعة السؤال الموجع! أنا بخير بالاحساس العام الذي من الممكن أن أوصله إليك، لكن لا يمكنك الاحاطة بتفاصيل دواخلي، أو الوصول إليها. ولا يمكنك معرفة تلك الخيبات التي تستكين في أعماقي! ولا يمكنك أن تصل إليّ من ركام أنت لم تحاول رؤيته، أو حتى التفكير في تفاصيله! نحن بخير دائماً وسنظل نردد رغم كل الأوجاع، لأننا اعتدنا على عدم الشكوى! ولأن الآخر غير مستحق لتفيد إن كنا بخير أم لا! تتغير الأشياء، وتتبدل الصور.. وتُدار الأوراق بالطرق التي تحكمها أجواء ما أنت به، أو ما أنت فيه! لكن في النهاية يظل هناك سهم طائش، ومتنقل وغير مرئي بين من يسأل، وبين من يختلق الاجابة! لا يمكنك وأنت الراكض في متاهات الحياة، والمستسلم لعرقلتها، والمتحرك ضمن إطار ما تطرحه عليك، وتقودك إليه، وليس ما تريده أنت! لا يمكنك وأنت كل ذلك، أن تتفهم ماذا يعني ان تسأل أحدهم سؤالاً عابراً، غير مهتم بإجابته، ومختلطاً بكل أركان الشرود وعدم التوقف؟ لا يمكنك أن تنفذ إلى وهج الشمس وأنت مختبئ في ليلك الطويل! (تنشد عن الحال) سؤال يسعد كل الناس، وينزل عليهم، وكأنه يلملم أرواحهم التائهة والمشتتة! يسألون بعفوية، ويجيبون بآلية وعفوية أكثر! دون أي استرجاع لماهية السؤال، أو عمق الاجابة! قد أبدو أنني حمّلت العبارة أكثر مما تستحق، ولكن علينا أن نتوقف أمام من يسأل ليفتح آفاق الداخل لدينا، ويعرف نتائج تلك القوائم المتحفظة التي لا نزال نحتفظ بها! وعمن لا يعنيه ذلك المضمون المتقدم، والذي اعتدنا على حجبه عن الآخر. وعمن يحاول أن يختطف الاجابة دون أن يغوص في قراءة تلك الصفحات التي تحتويها همومها وأوجاعها! وهم الاجابة دائماً هو من أضاف لصياغة السؤال إشادة عدم التوقف، وجعل منه ذلك العابر الذي كثيراً ما خدعته الاجابات التي لا تحمل سوى تمويهها!