قصص كثيرة نسمعها أو نعيشها في مجال المال والأعمال وجميع المعاملات والتعامل بين الناس أو ما نسميه عالم المصالح ، ولكن ينتهي بعضها بقطيعة في العلاقات أو شحناء وبغضاء أو خيبة أمل في من يؤمل فيه ، أو ينكشف البعض على حقيقة مشينة ومعدن مزيف ، فقد كان يؤمل ذهباً فبان نحاساً صدئاً ، ولعل من أبرز ما تتجمع الخيوط حوله في الآونة الأخيرة التكثر بالأموال على حساب الآخرين ، خاصة وأن القروض والأقساط والضمانات والكفالة والبيع بالأجل قد انتشر ، وألفه الكثيرون وعانى منه أيضا العديد من الناس ، فهذه كفالة لصديق أو زميل من أجل شراء سيارة أو تحمل أقساط لمنزل أو أرض أو قرض لأي سبب كان . وتبدأ تلك الكفالة بأن تستحث الشهامة والرجولة والنخوة، وتتم التعبئة معاني تستجلب من عالم آخر، ثم تنتهي كلها بالندامة والعداوة، ويبدأ الكفيل المسكين هو الذي تطارده الديون وأصحابها وتقض مضجعه رسائل الاستدعاء ويقهره رؤية صاحبه وقد نام ملء جفنيه ، كلما حوله لا يعنيه ، قد قلب عليه ظهر المجن كما يقولون ، وربما تلمس الأعذار التي تشوه سمعة صاحبه ، كنوع من التبرير ولم يعد يطيق ذكر اسمه لأنه في نظره أصبح ورقة خاسرة قد انتهى دورها ، بل إنه سيكون عقبة أمام العثور على ضحية جديدة تقوم بكفالته من جديد ليبدأ سلسلة في متاعب صديق آخر . هذه المواقف ليست من مكارم الأخلاق ولا ينبغي أن تمر مرورا عاديا في حياتنا ، لأنها في الأصل ليست من أخلاق العرب ، ولا من مبادئ الإسلام الطيبة التي تؤكد على الالتزام بالعهود والمواثيق وحفظ الحقوق وتأديتها ، ولعل البعض اليوم يسميها ( نذالة ) فالنذل شخص يأتي صاحبه بوجه جميل يوحي بالبشر و يلبس قناع الأمانة مخفيا حقيقته حتى يتمكن من مراده ، و يخفي الغدر ونكران الجميل ولا يخجل فيما بعد من ظهوره على حقيقته ضارباً بالأعراف والمبادئ عرض الحائط . وهذه قصيده قالها شاعرها وهو بلا شك لا يريد معناها الظاهر ، بل يريد أن يقدم صورة المذموم على أنه ممدوح والعكس صحيح ، كما نقول لشخص معين قد أساء التصرف : بيض الله وجهك على هذا الفعل ، ونحن نقصد التحقير لفعله والذم له ، لكن برفع مكانته ظاهريا وهو يعلم أنه قدم ما يسوء ولا يمكن أن يحمد عليه . أو نقول : ما شاء الله تبارك الله ! وصلت قبل الموعد . ونحن نقصد أنه تأخر كثيرا ، حتى فات الموعد ، وهي عبارات معروفة تعتمد على ذكاء المتلقي ، ويدركها الجميع ويفهم المقصود منها دون إشكال ، فهي من العبارات التي لا تفهم على ظاهرها بل بحسب الحال التي قيلت فيها. وهذا الشاعر يقول حول هذا المعنى : كانك تبي خاطرك يالذيب ينساح انسف دروب المرجلة في شمالك خلك نذل تسلم من الناس يا صاح وإلى سلمت من البشر طاب فالك ماراح من هرج المخاليق ترتاح لو إنك تنفد لهم رأس مالك الطيبين من البشر صاروا صحاح والنذل هو بس اللي مع الناس سالك لا يلحقه شرهة ولا هوش وصياح وأنت إسهج العالم ويرتاح بالك وتبدو القصيدة ذات وجه ظاهر كأنما يدعو شاعرها إلى نبذ الخصال الطيبة ، ويدعو إلى ( النذالة ) وهذا ليس مقصد الشاعر بلا شك ، ولن يكون ، ولكنه يعتب على من تكون طباعه الجحود ومن تتسبب تصرفاته في قطع العلاقات بين الناس إنه في قصيدته يبرز جانباً من جوانب فقد المروءة ونكران الجميل وتحميل الآخرين متاعب هم في غنى عنها . ويقول الشاعر فيصل بن سبيل : لولا المواقف ماعرفت الرجاجيل والرجل يعرف بالشدايد والافعال أنا اشهد إن به ناس وقت البهاذيل لا جد وقت الجد تطري على البال من يعجبونك في جميع المداخيل قوم تعز الطيب من كل مدخال وبعض الرجال يكيد لك بالمحابيل يخفي بضحكه لك من الحقد زلزال السن أبيض لكن القلب كالليل ما كل من يضحك معك يسعد الحال ولولا الحسد والبغض والقال والقيل كان العرب صارت على قلب رجال ولولا المواقف ماعرفت الرجاجيل وكان استوى بالهرج خايب ورجال ويبقى الزمان هو الزمان ولكن الناس تختلف طبائعها من وقت إلى آخر ومن فرد إلى آخر أيضا ، ففيهم من هو داء وفيهم من يكون بلسما وشفاء ولكن المؤكد أنه ليس على الطيب علامة وقد كانت أمنية الشاعر حيث يقول : ياليت راع الطيب فوقه علامه حتى نعرف اهل الردى من هل الطيب عشان ما تلحق ربوعك ملامه ما عاد لا تخطي روابعك وتصيب حتى يودعنا مجال الندامه يرد بيبانه على الشك والريب يوم الرجال أنواع هامه وقامه الآدمي مخلوق ما يعلم الغيب بعض العرب يفرض عليك احترامه اما من الادنين والا الأجانيب