لا تتحقق التنمية الإدارية بتعميم يصدر من رئيس الجهاز، ويوزع على الفروع و الإدارات و الأقسام. و لاتتحقق بإعداد خطط أو تقارير إنجازات، و لكنها منظومة متكاملة تلتقي فيها مجموعة من العناصر لتشكل بيئة عمل منتجة في إطار ثقافة تنظيمية تستند إلى معايير مهنية في التوظيف، و التقييم، و إسناد المسؤوليات، و اعتماد الخطط والمشاريع و قياس النتائج. و إذا كان يمكن توفير متطلبات التنمية الإدارية المادية مثل شراء التقنية، فإنّ العنصر البشري هو العنصر الأهم الذي يتوقف عليه نجاح أو فشل برامج ومشاريع التنمية بشكل عام. إذن ؛ حين تتوفر الامكانات المالية، و توضع الأنظمة و اللوائح، و يتم تصميم العملية الإدارية بآليات عمل مؤسساتية، و حين يتوفر الوضوح في الرؤية و الأهداف و السياسات و إجراءت العمل، وحين تتضح علاقات الاتصال، والمسؤوليات و الصلاحيات المصاحبة لها، و حين يتوفر نظام للتقييم و المحاسبة، و حين تتوفر كل عوامل النجاح و التنظيم، فإن ذلك كله لا يكتمل إلا بالإنسان وكل ما تهدف إليه التنمية الإدارية يعتمد بشكل جوهري على السلوك الإنساني، لأن الإنسان هو المخطط و المنفذ، و هو الذي يندفع إلى التطوير أو يرضى بواقع الحال. كيف نحرك هذا الإنسان من واقع الحال إلى الوضع الأفضل، و كيف نصل الى مرحلة الحوافز الذاتية التي تدفع بالإنسان إلى أن يكون صاحب مبادرات و طموح ورغبة في التطوير، يشعر بالانتماء، و يعمل في إطار من الأخلاقيات والقيم التي تجعل عمله يتسم بالنزاهة و الإخلاص، وإتقان العمل ؟ لابد من أن نبحث عن إجابة على تلك الأسئلة، لنجد المفتاح الذي يقودنا إلى ذلك الإنسان المنتج القادر على الرقابة الذاتية واحترام الأنظمة و القوانين. وفي ظني أن الاجابة تكمن في توفير بيئة عمل ذات ثقافة إنتاجية تحفز العاملين على الإبداع، والتطوير المستمر، و العمل بروح الفريق ، والشعور بالمسؤولية، والالتزام بأخلاقيات الوظيفة. حين تتوفر بيئة العمل المثالية، نبدأ رحلة البحث عن إنسان تجتمع فيه صفات التأهيل العلمي، و الحوافز الذاتية، و الرقابة الذاتية. و مع وجود هذا الإنسان سوف تتضاءل أخبار الفساد الإداري و المالي في بيئة العمل. هذا الإنسان الذي نبحث عنه موجود في المدرسة الابتدائية و في مراحل التعليم المختلفة. هو منتج تربوي يتسلح بالعلم و القيم الأخلاقية التي تعلي مكانة إتقان العمل، و تلتزم بالنزاهة و الإخلاص، و الالتزام بمسؤوليات وواجبات الوظيفة العامة. هذا الإنسان هو وسيلة و غاية التنمية و التركيز عليه – تعليما و تدريبا و ثقافة – هو السبيل إلى تحقيق التنمية. هذ الإنسان هو الذي نبحث عنه، فنقيم له المدارس و الجامعات و معاهد التدريب، و نستقطبه لمواقع العمل و الإنتاج. و حين يحدث الخلل في مواقع العمل، أو تقع حالات خارجة على القانون، ومخالفة للأنظمة، فإننا بالتأكيد لن ندين الأنظمة و الإجراءات و الأجهزة، وإنما سندين الإنسان في أي موقع في الهرم الوظيفي.