الحديث مع تركي الشبانة يعني الغوص في تجربة إعلامية سعودية مميزة امتد عطاؤها لأكثر من عشرين سنة شارك خلالها في إدارة مجموعات إعلامية عريقة مثل آرا وMBC وكان المهندس الحقيقي لبرامج تلفزيونية حققت نجاحاً لافتاً على صعيد الفضاء العربي. وهو الآن ينتمي لواحدة من أكبر المجموعات الإعلامية العربية "روتانا" ويتولى فيها مسئولية إدارة القطاع التلفزيوني المرئي بما يشمله من قنوات فضائية موسيقية ودرامية. (الرياض) التقت بالأستاذ تركي الشبانة ليس بصفته قائداً في روتانا إنما بصفته الإعلامي الخبير في واقع الإعلام العربي الخاص وطرحت عليه أسئلة تتعلق بهذا الواقع وعن الصعوبات التي تواجهه خاصة بعد دخول الحكومات معترك المنافسة الفضائية. فكان لنا هذا اللقاء: * بصفتك خبيراً في الساحة الإعلامية العربية.. ما هي أهم الأحداث التي عاشها الفضاء العربي في الفترة الأخيرة؟. أعتقد أن أهم حدث يعيشه الإعلام الفضائي العربي حالياً هو التحالفات التي تمت بين مؤسسات إعلامية كبيرة. وهذا برأيي هو البداية الحقيقية لتأسيس الوضع الصحي الذي يجب أن يكون عليه الإعلام العربي سواء بدخول مؤسساته في تحالفات عالمية مشهورة كروتانا ونيوزكورب أو اندماج شبكات كبرى فيما بينها كالشوتايم وأوربت. * كيف ترى أهمية تحالف نيوزكورب/روتانا بالنسبة للإعلام العربي؟ لا يختلف أحد على أن نيوزكورب تعتبر الرقم واحد عالمياً ومنتشرة على مستوى القارات الخمس، ودخولها لمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً مع شبكة روتانا يعد مكسباً كبيراً ليس لروتانا وحدها وإنما للإعلام العربي بشكل عام، وستجد من خلاله فرصتها في التطوير والإفادة والاستفادة، وسيحقق لروتانا فوائد كبيرة عبر تبادل الخبرات والتطوير ومزيداً من الانتشار سواء بالاستفادة من خبرتهم الطويلة في إنتاج الأفلام السينمائية والبرامج الشهيرة عالمياً وامتلاكها لمحطات أخرى كبرى وعدد كبير من قنوات الترفيه والمنوعات، كذلك يعتبر التحالف مكسباً لشركة نيوز كورب، وليس لهذه الاتفاقية علاقة بالأزمة المالية العالمية التي حدثت مؤخراً كما فسرها البعض وإنما هي فكرة مطروحة ومدروسة بين الجهتين قبل عامين كما ذكر رئيس مجلس إدارة روتانا الأمير الوليد بن طلال. * كيف يمكن قراءة هذا التحالف إذا ما ربطناه مع تحالف شوتايم وأوربت؟ بالطبع التحالفان يختلفان في كثير من الأوجه، وأعتقد أن تحالف شوتايم وأوربت تحت شبكة واحدة osn يعتبر جيداً وكان من المفترض حدوثه قبل نحو عشر سنوات ولو أنه حدث في تلك الفترة لأوجد تأثيراً كبيراً على الساحة الإعلامية أكثر مما هو عليه الآن وأتمنى أن الوقت لا يزال متاحاً للشبكة الجديدة للمنافسة في السوق التليفزيوني المشفر والمدفوع خصوصاً مع وجود أكثر من 500 قناة عربية مفتوحة وتحمل الكثير منها قنوات ترفيهية متخصصة كالأفلام العربية والأجنبية والقنوات الموسيقية وتسابق القنوات الرياضية للحصول على بث البطولات حصرياً وسحب البساط من أوربت مثلاً. * كل هذه التحالفات هي بين قطاعات إعلامية خاصة.. لكن ماذا عن دخول الحكومات معترك المنافسة الإعلامية. كيف تنظرون لمستقبل الإعلام العربي الخاص في ظل هذا الواقع؟. لاشك أنه واقع ينذر بالخطر ويهدد فكرة الاستثمار الإعلامي من جذورها. وقد تأكد ذلك في شراء الجزيرة لقنوات ART والذي خلق حالة جديدة في الإعلام العربي وأكد خطورة دخول الحكومات في الساحة الإعلامية بميزانيات ضخمة يصعب على كثير من القنوات الخاصة توفيرها، وإذا استمر التدفق الحكومي في مجال الإعلام فقد يؤدي ذلك إلى القضاء على مجموعات خاصة أخرى. * كيف ذلك؟ أولاً لأن هذه القنوات الحكومية تغرف من ميزانيات لا تنضب بينما القنوات الخاصة ليس لديها من مداخيل سوى ما يأتيها عن طريق الإعلان والرعايات. وثانياً لأن دخول الحكومات سيؤثر بشكل حاسم على حركة السوق الإعلاني العربي من حيث رخص قيمة الإعلان في القنوات الحكومية وبالتالي تأثيرها العكسي على القنوات الخاصة في مجال ربحها الوحيد. هذا بالإضافة إلى أن تفكير إدارات القنوات الحكومية غير تجاري ولا يسعى للربح وتنمية موارده وتطويرها بالشكل المطلوب وإنما يعتمد على تعميدات سنوية بملايين الدولارات وآخر همها الدخل المادي أو جذب الشركات والجهات للإعلان في قنواتها وبالتي ستتمكن القنوات الحكومية من التحكم بسوق الإعلانات. وهذا كفيل بخروج رجال أعمال أداروا لفترات طويلة قنوات خاصة حققت نجاحات وقيمة في سوق الإعلام العربي. وفي الحقيقة لا تلام ART على بيعها لقنواتها لأنها لو لم تبع في هذه الفترة فإنها لن تستطيع بيعها في الأعوام المقبلة بنفس القيمة التي تحصلت عليها الآن خصوصاً بعد احتكارها لبطولتي كأس العالم القادمتين وعدد من بطولات كرة القدم المحلية والدولية وأيضاً بعد مرورها مع بقية القنوات الأخرى بالأزمة المالية العالمية والتي يبدو أنها عجلت من أمور بيعها لصالح الجزيرة. كل ذلك يجعلني لا أتمنى دخول الحكومات إلى سوق البرامج الترفيهية وإنتاج الأفلام. * وماذا عن قنوات التلفزيون السعودي؟. ينطبق عليها نفس الكلام.. فالتلفزيون السعودي أطلق مؤخراً أربع قنوات متخصصة دفعة واحدة والهدف الذي أعلنته وزارة الثقافة والإعلام من ذلك هو التواجد والتحدي والمنافسة مع القنوات الخاصة من دون التفكير بالدخل المادي، وإليك مثالاً بسيطاً يؤكد التأثير المباشر لهذه الخطوة، وهو قناة الاقتصادية التي تتشابه شكلاً واسماً ومضموناً مع قناة الاقتصادية الخاصة التي لها خمس سنوات في الإعلام الخاص وتهتم بشؤون الاقتصاد السعودي ولديها مكاتب بالسعودية والآن نشاهدها وقد بدأت في الانسحاب والرجوع إلى الخلف بعد دخول المنافس الحكومي حتى خفضت ساعات بثها بعد أن كانت تبث بشكل متواصل. وفي المشهد المصري -وهو حالة مختلفة تقريباً- قامت محطات النيل المتخصصة والتابعة للحكومة المصرية بشراء جميع المسلسلات المصرية من المنتجين ولم يتركوا للقطاع الخاص فرصة لشراء المميز من الأعمال عبر تطبيقهم لشعارهم الجديد "ما فيه شيء حصري كل شيء على التليفزيون المصري". * إذن ما هو الحل برأيك؟. خاصة وأن الحكومات لها الحق في التواجد الفضائي؟. نعم.. أنا لا أرفض تواجد القنوات الحكومية بهدف خدمة شعوبها بل كل ما أطلبه هو عدم دخولها في مجال التنافس "الإعلاني"، فالسوق الإعلانية يجب أن تكون حكراً على القنوات الخاصة، مثل ما هو معمول الآن في بريطانيا على سبيل المثال، حيث قنوات ال BBCالحكومية وفي أمريكا PBS وكذلك فرنسا وإسبانيا ومعظم دول العالم المتقدم تنتج وتقدم أعمالها الباهرة، ومع ذلك لا تستقبل أي إعلان تجاري. لو طبقنا هذا النظام عربياً فليس هناك أي مشكلة مع القنوات الحكومية. وكذلك لا يجوز أن تقوم كقطاع حكومي موجه لخدمة المواطن بإنتاج برنامج أطفال وتضع فيها إعلاناً لأحد المنتوجات مثل المشروبات الغازية أو الوجبات السريعة، يجب أن ترجع الوسائل الإعلامية الحكومية إلى الهدف الذي وجدت من أجله وهو خدمة المواطن وليس منافسة القطاع الخاص. * ما رأيكم بالتوجه الذي تبنته وزارة الثقافة والإعلام في كسر احتكار البث الإذاعي؟. توجه جيد وتشكر عليه وزارة الثقافة والإعلام متمثلة بالدكتور عبدالعزيز خوجة، وإن كنت أتمنى من الوزارة أن تخصص إذاعات خاصة بكل منطقة من مناطق المملكة حيث إن مساحة المملكة الشاسعة وهي أشبه بالقارة حيث تتطلب وجود إذاعات متخصصة تهتم بشؤون منطقتها وأخبارها واهتماماتها وبرامجها الخاصة وهو المستقبل الحقيقي للإذاعات. كما أتمنى إتاحة البث الرقمي "الديجيتال" في أثير السعودية ومواكبة للتطور العالمي. * كيف تنظرون للطريقة الحالية التي تمنح من خلالها رخص البث؟. وهل هناك مستقبل للقطاع الإذاعي الخاص؟. بالنسبة لآلية توزيع الرخص تعتبر جيدة ولكن في رأيي أن المبالغ المدفوعة حتى الآن للشركات الأربع (ألف ألف، غاية الإبداع، روتانا، الموارد الإلكترونية) لأخذ الرخصة تعتبر تكلفة معقولة على عكس ما يشاع لأنها موزعة على 3 سنوات وتمكن الإذاعة من البث في 30 مدينة وعند حسابها نجد تكلفة البث في المدينة الواحدة أقل من مليون ريال في السنة، على شرط أن يكون هناك إعلانات محلية لكل مدينة وهذا يجعل مستقبل قطاع الإذاعة بالمملكة مشرقاً ويبشر بتحقيق طموحات كبيرة خصوصاً أن المجتمع السعودي محب ومتذوق للاستماع إلى الإذاعات ومحط أنظار وجذب للسوق الإعلاني. * وماذا عن حظوظ إذاعة روتانا القادمة ؟ روتانا لديها كنز غنائي كبير وسيطرة على معظم الأصوات العربية من الفنانين النجوم وحظوظها في هذا المجال كبيرة جداً. اليوم روتانا متواجدة في الأردن وسوريا ولبنان وهي مسيطرة في هذه الدول. * بشكل رئيسي أنت من قام بإعادة هيكلة روتانا خليجية منذ سنتين تقريباً وجعلتها حالياً واحدة من القنوات المنافسة.. كيف حققت ذلك؟ روتانا تملك الكثير من الإمكانات لتجعلها تتبوأ مكانة في فضاء الإعلام العربي، وسعينا من خلال روتانا خليجية البحث عن التنوع والشمول والاهتمام بالقضايا الخليجية وتحديداً البيت السعودي ونجحنا في ذلك، عبر البرامج الخاصة المهتمة بالشأن السعودي والخليجي والعربي أحياناً وإنتاج وبث المسلسلات بشكل حصري على روتانا خليجية مما جعلها تحقق مكاسب كبيرة في نسب المشاهدة، وتحقيقها لجوائز في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون وحصولها على كم كبير من الجوائز ومنافستها لبعض القنوات العربية الكبيرة والمخضرمة كل هذا نتيجة للجهد الذي بذلناه في الفترة الماضية. * قبل روتانا خليجية كنتَ قد ساهمتَ بفعالية في عدة مجموعات إعلامية.. وأنت الآن تقف منافساً لها.. كيف ترى هذه المنافسة؟ منافسة شريفة وعلاقتنا ممتازة مع بعضنا البعض وهناك تنسيق لبحث العوائق والمشكلات التي تواجهنا كإعلام خاص. كل القطاع الخاص في خندق واحد للمواجهة مع سياسات إدارات التلفزيونات الحكومية في العالم العربي. * وما هي الصعوبات التي تقف في وجه الاستثمار الإعلامي الخاص؟ هناك العديد من الصعوبات من أبرزها أنه ليس هناك قوانين وأنظمة تحميك من المساءلة الفجائية بمعنى أن مصير الإعلام الخاص يخضع للأهواء فمن الممكن معاقبة قناة بقرار واحد دون تحديد للمسببات ووضع للشروط المسبقة فالمسموح يكون اليوم وغداً يكون ممنوعاً، بالإضافة إلى وجود تحديات مع سوق الإعلان الذي يعاني من الضعف حالياً، ونعاني أيضاً من عدم وجود نسب إحصائية لقياس نسبة المشاهدة في فضائياتنا العربية، والافتقار إلى معاهد متخصصة تقوم بإجراء دورات تدريبية للإعلاميين.