تراجع الناتج المحلي الإجمالي في المملكة بنسبة 22٪ لعام 2009 وهي نسبة كبيرة جداً في ظل سياسات الحكومة التي تدعم النمو (عبر السياسة المالية والنقدية) إذ انفقت الحكومة العام المنصرم أعلى إنفاق في تاريخ المملكة، كما قامت مؤسسة النقد (البنك المركزي) بخفض الفائدة إلى ما يقارب الصفر، بل هي بالسالب مقارنة برقم التضخم، وخفضت الاحتياطي الإلزامي للبنوك من 13٪ إلى 7٪ وفي أوائل العام المنصرم ضخت المؤسسة ما يقارب مئتي ألف مليون في مصارفنا، كل هذا بهدف تعزيز النمو ودفع عجلة الاقتصاد للدوران، وحض المصارف على التوسع في إقراض القطاع الخاص.. ولكن الذي حصل عكس هذا: النمو تراجع بحدة - وإن كان لانخفاض أسعار النفط دور كبير في ذلك إلا أن القطاع الخاص تراجع نموه أيضاً بحدة، فحين تتخوف البنوك من الإقراض تتوقف معظم الأعمال ويوشك محرك النمو في القطاع الخاص على التوقف، بل وعلى التراجع، وتُبَيِّن مراكز بنوكنا المعلنة لنهاية عام 2009 تراجع الودائع والموجودات لدى معظم البنوك، يبدو أن بنوكنا أعادت ما ضخته مؤسسة النقد فيها.. إليها.. وكأنها تقول (هذه بضاعتكم ردَّت إليكم) بل إن بعض المصارف أودع لدى المؤسسة ما يفوق الاحتياطي المطلوب بكثير، وهذا ليس من التحفظ المطلوب بل من التخوُّف المكروه.. إن الاقتصاد الأمريكي الذي ضربته الأزمة المالية مباشرة وكان هو البؤرة، نما في حدود 3٪ رغم أن اقتصاداً بحجم الاقتصاد الأمريكي حين يتراجع من الصعوبة أن يتقدم لأنه يشبه الجبل الهائل حين يغرق في البحر من يرفعه؟ أما اقتصادنا فلم تمسسه الأزمة مباشرة، بل آثارها البعيدة (رشاش) ورغم صغر حجمه مقارنة بالأمريكي وسهولة رفعه ودفعه للنمو، ورغم توسع الحكومة في الإنفاق، واستبسال صناديقها في الإقراض خاصة صندوق الاستثمارات العامة وصندوقي التنمية الصناعية والعقارية وبنك التسليف الذي تضاعفت ميزانيته وقروضه أضعافاً مضاعفة.. رغم هذا كله تراجع نمو القطاع الخاص بشكل كبير لسبب وحيد في نظري وهو تخوف - وليس تحفظ - بنوكنا في الإقراض، وعدم تجييرها انخفاض الفوائد إلى المقترضين، وإحجامها عن إقراض المشاريع الصناعية والعقارية والخدمية والتجارة والمقاولين إلا بشروط تعجيزية تقريباً، وبهذا سار اقتصادنا عام 2009 على قدم واحدة، وحاول أن يصفق بيد واحدة، لعدم تفاعل بنوكنا مع الحدث وتعاونها بعكس البنوك الأمريكية - المضروبة في القلب - فقد توسعت في الإقراض وجيرت انخفاض الفوائد لصالح المقترضين، وهي بهذا أذكى من بنوكنا، لأن تواصل النمو في صالح البنوك بالدرجة الأولى.. إن كثيراً من رجال المصارف ومتخذي القرار في بنوكنا لم يعتادوا على مواجهة بعض الأزمات والإسهام الجاد في حلها وصدها، فقد تعودت الكسب الكثير السهل ولا تريد تغيير هذه العادة رغم تغيُّر الظروف.