في أربع مدن كبرى تنقلت بينها خلال الأيام الماضية، حديث المجالس فيها يختلف في كل شيء حتى بالرياضة وأحقية (الهلال) بالبطولات.. إلا أنه يحتقن عند الحديث في السوق العقاري.. وتحديداً في تحول دفة (جنون الأسعار) من شقق التأجير إلى أراضي الإسكان.. في جدة يكون الحديث عن تداعيات السيول، وفي مكة عن توسعات المنطقة المركزية، وفي الدمام عن تعطل غربها المتعنت برأي (أرمكو).. أما في الرياض، فما هو المبرر.. أربع مدن تباين الرأي فيها وإن شئت رأي أهلها.. لكنه اتفق الجميع على عدم وجود مبررات واقعية لهذا التسارع في أسعار الأراضي السكنية.. في وقت تتجه المدن السعودية إلى الدخول في طفرة كبيرة من حيث حجم الاستثمار والانجاز، مدفوعة بعدة محفزات تتصدرها الحاجة الكبيرة المتنامية للوحدات السكنية، بسبب النمو الكبير في أعداد السكان والوافدين من جانب، والنمو الكبير للمدخولات الشخصية الناتج عن حركة تنموية ناشطة في أكثر من مجال، لعل الأبرز بينها المدن الاقتصادية الكبرى التي أطلقتها المملكة في أكثر من مكان على الأرض السعودية، وتنامي السياحة الدينية في المملكة التي شرعت الباب امام المزيد من الاستثمارات المتنوعة أهمها الاستثمارات العقارية. ولا يزال الطلب الفردي المسيطر على المشهد العقاري في عمومه، هذا الطلب عززه نقص المخزون السكني من الوحدات السكنية، أو عدم مناسبة المتاح، أو عدم واقعية سعره، أو كل ذلك إلا أن الأكيد أن كثيراً منا لايثق في جودة البناء خاصة تلك المنتجات ذات المصدر الفردي، أو المؤسسي التقليدي. ويشهد النشاط العقاري في المملكة تصحيحاً على متوسط الأسعار المنفذة خلال الفترة الماضية، وسجلت حركة البيع والشراء على قطاع الأراضي السكنية وقطاع الأراضي التجارية والاستثمارية ارتفاعاً مستمراً على مستوى أسعارها مال في بعض الأوقات إلى الاستقرار الطفيف مع حدوث انخفاض طفيف أيضاً على متوسط الأسعار المنفذة على مبيعات المباني التجارية، في حين نجد أن النشاط العقاري المتمثل في تشييد المدن الصناعية والتجارية والسكنية يسير بخطى ثابتة ويعكس ضخامة القطاع العقاري السعودي والقيم الهائلة المستثمرة فيه،الأمر الذي سينعكس على ارتفاع أحجام وقيمة المبيعات خلال الفترة المقبلة عند وصول المشاريع التي يتم بناؤها حاليا إلى مرحلة التسليم والبيع بالكامل. أدى صمود العقار السعودي في وجه الأزمة المالية إلى جذب الاستثمارات الخارجية من سنغافورة وماليزيا ومصر لتطوير مشاريع عقارية في مختلف مدن المملكة خصوصاً من الشركات الإماراتية والكويتية التي أسست مشاريعها بشراكة مع شركات سعودية حيث وزعت هذه الاستثمارات في مناطق شرق ووسط وغرب البلاد، وذلك في بناء مشاريع إسكانية تحتاجها السعودية بشكل كبير، في ظل حاجة سنوية تزيد عن 200 ألف وحدة سكنية. وتعمل تلك الشركات على بناء مدن سكنية خلال الفترة الواقعة ما بين 2010 وحتى 2014، وذلك نتيجة أن المساكن أكثر المنتجات العقارية طلباً خلال الفترة الماضية. وفي ظل حاجة القطاع العقاري والسكني بالتحديد إلى جهود ضخمة لتلبية الطلبات المرتفعة للوحدات السكنية، مع الارتفاعات المتتالية في كميات الطلب، حصدت مدن الرياضوجدةوالدمام النسبة الأكبر من الاستثمارات من قبل الشركات الأجنبية كاستثمارات مباشرة، في الوقت الذي شهدت فيه مدن الملك عبدالله الاقتصادية، ومدينة عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، بالإضافة إلى مدينتي المعرفة وجازان استيعاب هذه الاستثمارات الضخمة، في ظل سوق يصل حجم الاستثمارات فيها إلى 1.6 تريليون ريال، رغم أن بعضاً منها لم يظهر إلى أرض الواقع حتى الآن. وشهدت العاصمة الرياض استثمارات عربية من خلال تواجد شركة «ثبات» التي تمخضت بتحالف بين الأولى للتطوير بالشراكة مع مجموعة هشام طلعت مصطفى لتطوير حي سكني على غرار مدينة الرحاب المصرية، وتسعى إعمار الشرق الأوسط لبناء مجمعات وأبراج سكنية في مشروع باب جدة الذي تصل استثماراته نحو 6 مليارات ريال. في العاصمة الرياض ساهم قرار إطلاق الارتفاعات في المنطقة التجارية الواقعة بين طريق الملك فهد وشارع العليا العام في جذب مئات البلايين لإقامة المجمعات والمراكز التجارية إذ تجاوز عددهم المئة برج ومركز ومجمّع. وتوقّع عقاريون ضخ أكثر من 150 مليار ريال حتى عام 2015 في المنطقة التجارية لإقامة أبراج ضخمة على طريق الملك فهد والعليا العام مرجعين ذلك إلى القرار المهم الذي أصدرته أمانة مدينة الرياض والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإطلاق الارتفاعات في هذه المنطقة الحيوية، فضلاً عن الوفرة المالية الضخمة التي تشهدها البلاد، إضافة إلى النمو الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية وخصوصاً العقارية. وتشهد الرياض خلال الفترة المقبلة الإعلان عن مشاريع عقارية كبرى، ستغير من خريطة السوق في المدينة، خاصة في الشمال، والذي يتميز بكثرة الإقبال عليه من قبل المستثمرين، فيما نجد في جنوب شرق الرياض مشاريع تطويرية عدة. ولم تُحظ أزمة الإسكان في المملكة بالاهتمام الذي يوازي أهميتها من حيث التخطيط فضلاً عن التنفيذ، حيث لا توجد جهة معينة مهمتها تنحصر في الإسكان وكيفية تملك المواطن للسكن، إضافة إلى مساهمة غياب التشريعات والأنظمة التمويلية التي تنظم سهولة الإقراض وضمان حق المقرض والمقترض لإيجاد حل لهذه المشكلة. ولا يمكن للدولة أن تتحمل تلك الأعباء لوحدها، لكنها تتحمل عبء غياب التنظيم التمويلي والذي من شأنه أن يتيح للقطاع الخاص أن يساهم مع الدولة بجزء كبير من حل هذه المشكلة الكبرى. ويتمتع النشاط العقاري في مدينة جدة بجذب لاستثمارات من خارج المدينة، خاصة من رجال الأعمال في الرياضوالدمام، في فضل وجود فرص استثمارية مغرية. ويرى مستثمرون أن مدينة جدة تعد أرضا خصبة للاستثمارات العقارية لما تتمتع من وجود جميع مقومات الصناعة العقارية فيها من صناع ومسوقين ومنتج نهائي، بالإضافة إلى المستهلكين. وأوضحت مصادر عقارية أن أغلب الملاك في أراضي مشروع النخيل يسعون لبناء الاراضي كون المشروع يقدم خيارات جيدة في تعدد الأدوار تصل إلى ستة ادوار في الأراضي التجارية، بالإضافة إلى موقعه في وسط جدة بين تقاطع شارع ولي العهد وشارع الستين. من جهتها، أصبحت المنطقة الشرقية ملاذاً مهماً للاستثمارات الخليجية، حيث أعلن عدد من الشركات تطوير مدن سكنية فيها، بالإضافة إلى وجود فرص حقيقية في ظل معدل نمو سكاني نتيجة توفر فرص العمل، والتي تتمركز فيها شركات البترول والشركات التابعة لها، وقرب المدينة الصناعية في الجبيل، والتي تعتبر إحدى أكبر المناطق ذات الكثافة البشرية، ومعدل طلب مرتفع، بالإضافة إلى الهجرة العالية للمنطقة من قبل مناطق البلاد. وتشهد المنطقة الشرقية انتعاشاً بما يتعلق في افتتاح المجمعات التجارية والتي جذبت العديد من الشركات التجارية إلى استئجار مواقع مميزة فيها، وتشهد المنطقة الشرقية افتتاح ما يتجاوز عن 9 مجمعات تجارية بين مدينتي الدمام والخبر. وتوقع عدد من الخبراء العقاريين أن تشهد منطقة العزيزية انتعاشاً كبيراً خلال الفترة المقبلة، خاصة الواقعة على طرفي طريق الملك فهد القريب من الجسر الرابط بين السعودية والبحرين بعد انتهاء مجموعة الشبيلي للاستثمارات العقارية، لربط طريق الملك فهد مع الجسر مما يفتح مناطق استثمار جديدة. وشهدت مدينة الهفوف في محافظة الاحساء بيع مخططي الزهراء والشنينية. وتعتزم السعودية إنشاء مليون وحدة سكنية تساهم في توطين 5 ملايين سعودي بمشاركة عدة جهات حكومية وخيرية وأهلية، وسيقدم صندوق التنمية العقاري خلال 5 سنوات نحو 75 ألف قرض بتكلفة 22500 مليون ريال لبناء نحو 90 ألف وحدة سكنية، ويتوقع أن يتم بناء نحو 35 ألف وحدة سكنية من المساكن الشعبية في مختلف مناطق المملكة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات والجمعيات الخيرية.وبدأ القطاع الخاص ببناء نحو 875 ألف وحدة سكنية من إجمالي الطلب على المساكن في مختلف مناطق المملكة، منها نحو 225 ألف وحدة بدعم ومساندة من الحكومة، وفقاً لخطة التنمية الثامنة، كما سيتم توفير نحو 280 مليون متر مربع من الأراضي السكنية لمواجهة الطلب على الإسكان خلال سنوات الخطة. من جهة أخرى، مر تملك الأراضي بعدد من التجارب لعل من أبرزها تجربة "المنح المجانية" التي استمرت ردحاً من الزمن إلى أن تحولت إلى تجارة. ثم استمرت أسعار الأراضي في مد وجزر إلى وقتنا الراهن الذي بلغت معه الأسعار ذروتها. على الرغم من توفر آلاف القطع من الأراضي في "مخططات المنح" المعاقة والتي لم تشملها الخدمات، الأمر الذي أعاق من الاستفادة منها وتفعيلها.