هل كل ما تحتاجه إيران هو قوة نووية تهدد بها العالم وجيرانها...؟ هذا السؤال بحاجة إلى إجابة تأتي أولا من إيران نفسها ومن الذين يديرونها سياسيا وعسكريا، فمن الواضح أن البحث وراء سلاح نووي إيراني ينظر إليه من قبل الحكومة علىانه حالة سياسية وعملية لابد منها لترميم مرحلة تاريخية مرت بها الثورة الإيرانية، وهذه القضية ليست حديثة بل إنها منذ نشأة الثورة هناك وعودة القيم السياسية التي تدار بالعمائم بدلا من مراكز الأبحاث والاستراتيجيات والخبرات. المتابع للملف الإيراني يدرك أن الثورة الإيرانية قامت على فلسفة تاريخية متعارضة تماما مع الرغبة في بناء دولة حديثة فكل شي موجود في إيران إلا أن تكون هناك دولة تشعر بوجودها الجغرافي والسياسي والحضاري ، أزمة هذا الكيان هي البحث عن القوة على حساب الاستقرار الإقليمي. خطاب الثورة الإيرانية ومنذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها ليس له علاقة في الواقع والعصر الحديث، فخطاب الثورة الإيرانية خطاب تاريخي أنتجته ولاية الفقيه وهو خطاب منتقم من تاريخ الإسلام كله يعيد في كل عام ملحمة تاريخية ليس لها علاقة بالسياسة أو تكوين دولة وهي عبارة عن مأتم بقي في رؤوس السياسيين كمدخل فكري يستطيعون من خلاله التأثير على أتباع المذهب الشيعي. هنا لابد من الإشارة إلى قضية مهمة جعلت هذه الصورة التاريخية هي الأبرز ألا وهي أن السياسة إذا ما انحنت للدين المتشدد الذي لا يعرف من آليات العمل السياسي سوى الفتوى فإن النتيجة تمثيل انتقامي من الحدث التاريخي مما يعني الرغبة الدائمة بمواجهة عسكرية. في الجانب الآخر يسأل الإيرانيون لماذا ليس من حقنا أن نمتلك سلاحا نوويا..؟ وهذا السؤال يمكن أن تسأله أي دولة في العالم وبين هذا السؤال وسابقه في بداية المقال تكمن الأزمة الفكرية التي تتبنى بها السياسة الإيرانية موقفها من رغبتها في امتلاك السلاح النووي. الجدال الدائر حول مستوى التخصيب وآليات تنفيذه يكشف عن قضية مهمة في الخطاب السياسي الإيراني .. السياسة ليست التحايل والمماطلة كما يمكن أن تفهم في عالمنا الإسلامي، بل إن التراث الإسلامي يصور السياسة بأنها بعيدة عن الأخلاق والقيم وفي ذات الوقت حرص التراث الفكري الإسلامي على رغبة دائمة بعدم فصله عن السياسة التي يعتبرها لاأخلاقية وهنا السؤال المقلق فكريا. هذا يعني إما أن السياسة في التراث الإسلامي شيء لم يكتشف بعد، أو أن هناك ضعفا فكريا شديد الوضوح في فهم ما هي السياسة..؟! التراث الفكري الإسلامي شوه السياسة برغبته والتصق فيها برغبته فكيف يمكن أن نجيب عن هذا السؤال، متابعة الحالة الإيرانية خير دليل على أن السياسة الإسلامية مع الأسف الشديد عندما تضيق ذرعا بنفسها تلجأ إلى القطع في قضاياها من خلال الفتوى التي ليس لها علاقة بالسياسة. هناك قضية مهمة تطرح تساؤلات كثيرة؛ فامتلاك السلاح النووي لن يحل كل مشكلات إيران الداخلية والخارجية بل إن النتيجة ستكون أكثر تعقيدا وأكثر تشتتا فهناك الكثير من الدول التي تملك أسلحة نووية ومنها باكستان كدولة إسلامية وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي القديمة ومع ذلك لم يغير ذلك من أزماتها المتكررة. إيران بمحاولاتها امتلاك السلاح النووي تحاول أن تلعب دور المرعب لجيرانها وخاصة القريبين منها، كما أنها ترمي خيوطا بعيدة نحو إسرائيل على اعتبار أنها ستلعب دورا توازنيا في المنطقة من حيث القوى التي تتحكم بمنطقة الشرق الأوسط ولكن هذه الأفكار مهما كانت مصداقيتها لدى الجانب الإيراني إلا أنها أيضا مؤقتة. المسلمون كشعوب قد ينجرفون وراء فكرة ميزان القوى الذي يمكن أن تلعبه إيران مقابل إسرائيل وهذا محتمل لو كانت إيران في وضع ديمقراطي أفضل. امتلاك إيران لن يخفف من نوعية العلاقة القائمة بين الغرب وإسرائيل وخاصة أمريكا بل على العكس سوف تستثمر إسرائيل هذا الجانب لمزيد من الدعم الذي قد يصل إلى حدود يمكن أن تضر بالوجود الفلسطيني برمته. إيران ظلت خلال العقود الثلاثة حبيسة الفكر المذهبي فهي دائما تلجأ إلى إعادة صياغة تاريخ المذهب الشيعي بطريقتها الخاصة لتمرره على أتباع المذهب من العامة، حيث جندت إيران نفسها نصيرا للمذهب ونسيت دورها كدولة ذات كيان جغرافي وذات تاريخ سياسي قديم وعريق وان لديها شعبا ذا عرق بعينه لا يرغب في أن يكون مسؤولا عن كل مسلم شيعي في العالم فهو لا يريد أن تستنزف أمواله في دولة غير دولته كما انه لا يرغب في الدخول في صراع مع دول مختلفة. امتلاك سلاح نووي ليس من اجل إيران الدولة والعرق ولكن من اجل إيران الأفكار والمذهب وهنا تكمن الخطورة التي سوف تضر بالمذهب الشيعي الذي يجب أن يظل مع المذهب السني في سياق تاريخي تنافسي ليس بالشكل السياسي إنما بالشكل الأيديولوجي الذي لا يتعدى اختلافا في تفسير المسار التاريخي. ما فعلته الثورة الإيرانية أنها عرّضت بتاريخ المذهب الشيعي وحولته إلى أداة سياسية تبرر منهجيات الفكر السياسي الشيعي القائم على ولاية الفقيه. الغرب يتعامل مع إيران كدولة ويحاورها ككيان سياسي بينما إيران تنظر إلى الغرب كعدو ديني وهنا احدى الأزمات المهمة في القضية؛ فالإيرانيون يبررون الموقف الغربي بطريقة مؤدلجة بينما يبرر الغرب الموقف بطريقة سياسية معروفة معادلتها القائمة على توازن القوى في منطقة ملتهبة بالمشكلات وملتهبة بالنفط وملهبة للازمات العالمية. السؤال المهم والذي يبحث العالم عن إجابته يقول ما هو حجم الضمانات التي يمكن أن تمنحها إيران للعالم ولجيرانها في حال امتلاكها سلاحا نوويا..؟، ليست المعاهدات والوعود حلا وخاصة أن التجربة العالمية لم تثبت جدواها في قضايا المعاهدات بين الدول. التجربة الغربية مع إيران وخاصة منذ أزمة السفارة الأمريكية في بداية الثورة غيرت اللغة المتبعة مع الثورة منذ اللحظة الأولى للازمة. سؤال مهم أيضا رفعته الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو سؤال منطقي ويعكس واقعا صادقا هذا السؤال يقول: هل تستطيع إيران علميا أن تمتلك قنبلة نووية..؟! هذا سؤال مهم ويعكس أن التقنية النووية يمكن الحديث عنها سياسيا والمناورة بها ولكنها في المصانع والمحطات النووية هي معادلات فيزيائية ورياضية وكيميائية لها مهارات علمية وبحثية لم تتوفر في إيران بعد كما يبدو، وحتى وإن توفرت فهي ليست بالقادرة على إنتاج نووي يهدد العالم ومهما بلغت أو بالغت إيران في قدرتها النووية فإن مصيرها لن يتعدى مثيلاتها من الدول التي حاولت أن تلبس ثوبا سياسيا واسعا وفضفاضا ليس من مقاسها وهذه هي النصيحة العربية والإسلامية الوحيدة التي يمكن أن تتلقاها إيران في هذا الوقت من ناصحين لها يدركون التاريخ . في الجانب الآخر يمكن القول إن إسرائيل أيضا لن تكون موافقة على أن تمتلك إيران سلاحا نوويا وهي لا يفصلها عنها سوى مسافة يمكن تجاوزها ببساطة، فالمناورة السياسية بين إيران والعالم وخاصة أمريكا لها نهاية مؤلمة لن تعجب الإيرانيين كثيرا وسوف نتذكر مثل هذا الكلام عندما يبدأ الغرب يتصرف وفقا للعملية السياسية وليس وفقا للفتوى والمراوغة وكسب الوقت.