هل إسرائيل خارج المساءلة عن أي تصرف تقرره، عندما ضربت غزة وأبادت البنية الأساسية لها والناس، وكل أهداف وصلت إليها أسلحتها بما فيها مقرات الأممالمتحدة التي جاء استنكارها خجولاً وبطيئاً، وهاهي الآن تهدد بضرب لبنان وسورية، وتعيد الضربات على فلسطين، وهل التوجه الجديد جاء نتيجة كشفها ضعف الموقف الأمريكي الذي تراجع، بشكل حاد عن خلق أجواء سلام في المنطقة؟ أيضاً تجد إسرائيل نفسها في حالة حرب مع إيران، واختيار سورية وحماس وحزب الله إنما جاء لوضعها حالة اختبار في رد فعل إيران لو اعتدت على هذه الأهداف المختارة، بحساب أن إيران حليف فاعل لهم، لكن مع افتراض أن التهديد وصل إلى حالة التنفيذ، فلابد أن يكون موقف الرأي العام العالمي ليس سلبياً، لأن خيار المعركة وتحديدها من قبل طرف ينزع إلى الحرب بأساليب ادعاء أن أمنه مهدد، يجعل مسألة شن الحروب بلا ضوابط أمرا واقعاً ، وتبقى أمريكا هي المسؤول الأول عن أي تصرف يصل إلى فتح معارك عسكرية، لأنها الحامي والمانح والمدلل لإسرائيل، وبانعدام موقف واضح يتجه إلى فهم طبيعة الصراع والخروج منه بنتائج موضوعية، فإن أمريكا تبقى اللاعب المقبول في حال أنجزت السلام، والعدو في حال الصمت على تجاوزات إسرائيل.. مجلس الوزراء في المملكة أكد على ضرورة إيجاد موقف دولي تجاه تهديدات إسرائيل لدول المنطقة العربية، وهي تنطلق من أن الأمن لأي دولة حق مشروع تقره المواثيق والقوانين الدولية، أما أن تكون إسرائيل خط النار المفتوح تحارب وتعتدى على من تشاء، وتدان في كل اعتداءاتها بدون سن عقوبات عليها، فإن الرد سيكون بنفس القدرة طالما فقدت الدبلوماسية العالمية صدقها وتحركها القانوني.. القضية الفلسطينية عامل ثابت في الصراع، ولا تستطيع إسرائيل أن تلوي عنق الدول العربية بفرض شروط تقرها ويلتزم بها العرب، ولعلها أدركت أن الدول التي أنشأت معها سفارات بعد توقيع اتفاقيات سلام لم تستطع التطبيع مع شعوبها، وهذا إقرار بأنها مرفوضة على مستوى الرأي العام العربي والإسلامي معاً، وبالتالي فهي لم تحقق الشرط المطلوب الذي يأتي على أولوياته أمن المنطقة كلها.. خلق فرص السلام تنجز بالتراضي والتوافق وتغليب منطق العقل على فرضيات القوة، وإسرائيل ستظل الطريد للإنسان العربي طالما بقيت جسماً غير متلائم مع جوارها ومحيطها، ومع افتراض أنها القوة الأكبر في المنطقة وربما خارجها بالنسبة لدول إسلامية، فالمسألة لا تحسم بتحالفات بين أقوياء إذا كنا نعرف أن الأمور لا تقاس بحجم التسلح وإنتاجه، والعبرة نأخذها من تورط أمريكا وحلفائها في أفغانستان والعراق التي عجزت عن حسم المعركة لصالحهم، وإسرائيل قد تضرب وتدمر، وتختار الزمن والموقع، لكنها لا تستطيع تحمل معارك طويلة، والدليل أنه مع بدائية السلاح الفلسطيني الذي بدأ مع الحجر ثم انتهى مع إرسال البراميل المفخخة خلفت لإسرائيل رعباً داخلياً مستمراً، ولو استمرت على فتح جبهات مع لبنان وسورية إلى جانب الحرب الدائمة مع الفلسطينيين، فقد تصل الحالة إلى جعل الحدود معها منطلقاً لحروب طويلة لا تستطيع معها فرض نفوذها بقوة سلاحها وانتشاره..