قد تكون اللامركزية الإدارية غير مناسبة لكل المنظمات والظروف، ولكنها بالتأكيد مناسبة للقطاعات التي تقدم الخدمات المباشرة، والتي تقوم بمسؤولياتها الواسعة عبر مراكز وفروع منتشرة في أنحاء المملكة مثل قطاع البلديات، والتعليم، والصحة. اللامركزية في قطاع البلديات على سبيل المثال تعني تفويض الصلاحيات بما يساعد على سرعة اتخاذ القرارات وفق الحيثيات المتوفرة لصاحب الصلاحية دون حاجة إلى الرجوع إلى الإدارة المركزية. إن طبيعة عمل البلديات وارتباطها مباشرة بالاحتياجات المحلية يجعلها أقرب وأقدر على تقييم هذه الاحتياجات واتخاذ القرارات والبت في البرامج والمشاريع التي تحقق أهداف التنمية المحلية. وفي قطاع التربية والتعليم، لازال مدير التعليم ومدير المدرسة بحاجة إلى مزيد من الصلاحيات يكتسب فيها المسؤول المباشر الثقة والقوة والقدرة على الإدارة. المدير الذي يرتبط بمسؤول مركزي يرجع إليه في كل صغيرة وكبيرة سيكون موقفه ضعيفاً أمام زملائه وكافة العاملين معه. تخيل لو أن مدير المدرسة وضع تنظيماً داخلياً يتلاءم مع ظروف المدرسة ثم يأتي قرار من مدير التعليم أو من الوزارة بوقف ذلك التنظيم بحجة أنه لم يصدر من الوزارة. (وقد حصل ذلك فعلاً حين أراد مدير مدرسة استثمارها في الفترة المسائية لدعم إيرادات المدرسة ورفض الطلب). ومثل ذلك يقال عن مدير الإدارة حين يتخذ بعض القرارات ويجري بعض التعديلات التي يرى أنها من مصلحة العمل ثم يتدخل رئيسه لإيقاف ذلك. يقول فيلسوف الإدارة بيتر دراكر: " إن القائد الذي يستأثر لنفسه القيام بالأعمال المهمة ويعطي لأتباعه صغائر المهام هو بالتأكيد قائد غير متميز ". فلنبحث إذن عن القائد المتميز ومن أهم صفاته استثمار القدرات البشرية المتوفرة لديه على أن يكون دوره هو تحديد الرؤية والاستراتيجيات والمتابعة والتوجيه. المدير لكي ينجح لابد أن يعمل في بيئة عمل تحقق التوازن بين الصلاحيات والمسؤوليات، والمدير المسؤول لايمكن محاسبته إذا كان يعمل بلا صلاحيات أو يتم التدخل في صلاحياته. المدير المركزي يقع في خطأ إداري حين ينظر لمن يعمل معه نظرة تنافسية، وحين يفعل ذلك فسوف يعمل في جو من الشك وعدم الثقة إلا في قدراته هو. وقد يعاني هذا المدير من ضغط العمل ومن ضغط الوقت لأنه لم يجرب إيجابيات التفويض ومن أهمها استثمار القوى البشرية وتعدد الآراء، واكتشاف قدرات العاملين ومهاراتهم ورفع روحهم المعنوية وثقتهم بأنفسهم ، وإدارة الوقت بشكل جيد ينعكس إيجابياً على جدولة أولويات العمل. لابد أن يدرك المسؤول أن التفويض من أهم المهارات التي تساعد على نجاحه وأن نجاح من يعمل معه هو نجاح للجميع، وأن الإبداع يتطلب مساحة من الحرية والثقة. المركزية لم تنقرض، وإذا أردنا أن نعرف تأثيرها في الإدارة فلنسأل مدير التعليم، ومدير المدرسة، ورئيس البلدية وغيرهم لنعرف هل المدير مدير أم مجرد منفذ لما يصله من تعليمات وقرارات؟