إن أكثر القوى فتكا بالإنسان ليست الأسلحة الذرية، ولا الكوارث الطبيعية وإنما هي الأفكار والتخيلات، وإذا كان الخوف هو حالة ذهنية تدخل ضمن الأفكار والتخيلات باعتباره مشاعر من الحذر بسبب توقع الخطر، فإن الاختصاصيين يعتقدون أن الخوف مؤشر على خلل داخلي. وما يحدث في الولاياتالمتحدة هو خلل داخل الحدود الأمريكية كما هو في نفسيات القائمين على الأجهزة الأمنية ولا يعبر بصدق وموضوعية عن حجم الخطر الذي يتهدد أمريكا؛ فحالة الخوف التي تسيطر على الأمريكيين تجعلهم يصدقون شواهد وعلامات خاطئة على أنها حقائق ويتصرفون على هذا الأساس. عندما قرأت التعليمات الموجهة للدول الأربع عشرة المصنفة في قائمة محور الشر الجديدة في عصر الرئيس باراك أوباما أدركت أن أمريكا تعيش أزمة أخلاقية سببتها سيطرة الخوف غير المبرر على الذهنية والنفسية الأمريكية. تفتيش ذاتي، وعبر أجهزة تكشف تفصيلات الجسم البشري بكل خصوصيات الإنسان، على مرأى من قومنا فتلك فضيحة يصعب محو آثارها النفسية وتجنب مرارة الإهانة التي يشعر بها كل من يخرج من غرفة التفتيش وهو يلعن أمريكا ومن اكتشفها والظروف التي ساقته لتك الإهانة. أمريكا لم تُستهدف في يوم من الأيام بطائرة قادمة من المملكة العربية السعودية؛ ومن هاجموا أمريكا أقلعوا من مطارات أمريكا، والنيجيري الأخير أقلع من مطار أوربي، فلماذا نستهدف نحن في وقت كنا نحرص على أمن الطائرات والمسافرين وأمريكا ومطاراتها غارقة في التسيب؟ سألت الأسبوع الماضي محاضرا وناشطا سياسيا أمريكيا ما إذا كان الرئيس باراك أوباما قد وقع في مصيدة الخوف الذي حكم به سابقه الشارع الأمريكي، فأجاب بأن الدول الأربع عشرة تستحق أكثر من تلك الإجراءات؛ إذا كانت حكومات وإعلام واقتصاد تلك الدول ستسلم وتسلم لأمريكا وقراراتها الموغلة في امتهان كرامتها. وقال لي وللحضور على دولكم أن تتحرك وأن تهدد مصالح أمريكا الثنائية معها سواء ما يتعلق بالتنسيقات الأمنية أوالمشروعات التجارية أوالزيارات الرسمية وأن تعامل الأمريكيين بالمثل عندما يرغبون زيارتها، عندها سيفكر الأمريكيون مئة مرة قبل أي قرار يستهدفكم. تلك هي أمريكا، بلد القوة لا تعرف سوى منطق القوة. مريض، وطالب، ودبلوماسي ورجل أعمال مضطرون للسفر لأمريكا ندعو لهم بالعون، ولكننا لانجد عذرا لسائح يقصد أمريكا بعد هذه الإجراءات التي تقول بالمعنى الصريح بأننا غير مرحب بنا في تلك الديار. أمريكا تحتجب عنا وعلينا أن نحترم خصوصيتها وأن نوقف رحلاتنا لها إلا عند الاضطرار. ليس هناك مبرر واحد لهذا الشطط الأمريكي في التعامل مع المسافرين لها. نحن نتفهم القلق الأمريكي والخطر الذي تعرضت له عام 2001م، ولكن ليس بهذا القدر مطلقا، وإذا كانت سوف تستمر في ردود أفعالها المتطرفة فإن المعتوهين الكارهين لأمريكا من جميع الديانات والقارات ومن أمريكا نفسها سوف يبتزون أمريكا بتهويشات من هذا القبيل تربك الشارع والنظام الأمني الأمريكي وتزيد أمريكا عزلة. أشعر بحزن كبير أن هذه الدولة العظمى في تعليمها وعلومها وقيمها تحتجب وتحرم العالم من تجربتها الحضارية، وتقدمها العلمي بسبب تهديدات تعرضت لها دول أضعف من أمريكا بكثير وتجاوزتها.