عندما انتهيا من تناول الغداء طلب من زميله أن يجهز براد الشاي فأحضر البراد وصب فإذا به ماء ابيض وسأله لماذا الشاي ابيض قال له: لأنه لم يجد إلا ماء وسكراً فلا يوجد في البيت شاي، فواصلا ما كانا يتناقشان فيه وهما يشربان ما وجداه (كان هذا مشهداً من سلسلة سهرات "رفاقة درب" والتي قام ببطولتها النجمان عبدالله السدحان وناصر القصبي والتي كتبتها وأنتجتها قبل ما يزيد عن عشرين عاماً) عندها اعترض الرقيب وقال يجب حذف هذا المشهد حتى لا يفهم أنهما يشربان شيئاً آخر. كان هذا هو مستوى الحرية المطروح لنا والذي قد يذهب بالاشياء الى غير مفهومها والذي يعتبر أن من حق الرقيب ان يفكر نيابة عن المشاهد واذكر أن الأخ عبدالله السدحان قام ببطولة سهرة يتزوج فيها من الهند عندها سأله الرقيب هل حصلتم على موافقة الداخلية على الزواج من الخارج والقصد هنا ليس اضافة مشهد الحصول على الموافقة ولكنه كان يطلب موافقة حقيقية. ولهذا نكتب دوماً والرقيب في المقعد المقابل فنكتف انفسنا قبل ان يكتفنا وعندما تجاوز طاش الخطوط الحمراء تصور الناس ان نوعية جديدة من الكتاب ظهرت على الساحة والحقيقة التي كتبت عنها في حينها ان وزير الاعلام د. الفارسي هو الرقيب على طاش فسمح بمستوى من حرية الطرح اختص به طاش ولمرة في العام وكان الرقيب يشعر بالغيض لاستثناء هذا العمل من مقصّه ولكن هل تغير شيء منذ عشرين عاماً حتى اليوم؟. ام بي سي التي اصبحت المنتج الرئيسي للدراما المحلية منحت ولا شك مساحات كبيرة للكتاب ولكنها في كثير مما انتجت تجاوزت القضايا إلى مناقشة الخبايا ولهذا وجدت بعض أعمالها الانتقاد على اعتبار أنها حالات شاذة وليست قضايا تهم اكبر شرائح المجتمع. التلفزيون السعودي المعني الأول بتطور الدراما المحلية لم يؤسس حتى الآن رؤية خاصة به تحدد ما هو المطلوب من هذه الدراما وما هي الحدود المسموح للكتاب بالوصول اليها. فالفساد حتى الآن مسموح بمناقشته في القطاع الخاص ولكن من غير المسموح طرح قضية الموظف الحكومي المختلس او المرتشي والتي هي واقع حقيقي في المجتمع. كم من القضايا يمكن ان تكون محور الكثير من الاعمال الدرامية والتي لا نشاهدها إلا في دراما الغير والتي لو وجدت لجذبت المشاهد الى الشاشة ومنها الكثير من الاحداث التي نعيشها في واقع حياتنا اليومية فهل تطرقت الدراما إلى المتسببين في وجود ضحايا سواء على مستوى القطاع الصحي او قطاع المشاريع أو مفسدي الاقتصاد والكثير من القطاعات الأخرى وهل تطرقت إلى قضايا الظلم الاجتماعي وآثار المدمرات كالمخدرات وغيرها على المجتمع وكيف تصل إلينا وآلاف القضايا التي يمكن رصدها من خلف القضبان والعديد من القضايا التي لم تقترب منها الدراما المحلية بحجة ان الرقيب لن يجيزها. لهذا في ظل هذا الانتعاش والانفتاح الاعلامي الذي يقوده د.عبدالعزيز خوجة اقترح على معاليه ان يتم وضع تصور لملامح تحدد ما هو المطلوب من الدراما المحلية الاضطلاع به وإبلاغها للمنتجين والكتاب حتى يمكن لهم ان يغيروا هذه الدراما الباهتة إلى دراما أكثر سطوعاً تعبر عن تطلعات المشاهدين وان تكون مرآة لقضاياهم وراصد حي لواقعهم اليومي. وفي الوقت نفسه آمل من معاليه أن يوجد التلفزيون آلية للحصول على النصوص من الكتاب مباشرة وإسناد تنفيذها فيما بعد للمنتجين لان هذا الأمر كفيل بصناعة نصية راقية. ويبقى السؤال هل يمكن أن نحدد ما هي الخطوط الحمراء وهل سنلتزم بها.. في الوقت الذي احتكرت الكثير من القنوات نجومنا وكتابنا وقالت لهم انطلقوا بلا حدود؟.