تساؤلات عريضة إسلامية وعربية، وعالمية عن التحرك التركي الجديد، هل هو خيبة أمل من أوروبا التي أرادت أن تبقي قارتها مسيحية، وإن غلفت الأهداف بعلل أخرى، أم أنه انعطاف جاء بعد تدقيق طويل في ملء الفراغات الهائلة بتلك المناطق، وهل يأتي ذلك بفك العقد من أوروبا واتزان سياستها مع أمريكا، وتحاد مع إسرائيل بسبب ما تشعر أنه واجبها؟.. أسئلة محيرة، ومحتارة، لكننا عندما ندقق بالاستراتيجية الجديدة لتركيا، لا نجدها تتباعد عن حلفائها وأصدقائها، ولكنها تريد فرز شخصيتها وفقاً لاتجاه العولمة، وبناء المصالح المتوازنة على حساب الخلافات التاريخية، طالما تغير العالم وأصبح الأعداء على تقارب مع بعضهم، وحالة تركيا ليست شذوذاً عن مثل هذا التوجه.. فهي حافظت على تواجدها على الحدود الأوروبية، ولكنها ترفض أن تكون مجرد قاعدة عسكرية توظف لحروب ليست لصالحها، وخاصة بعد زوال الاتحاد السوفيتي، ولا تقبل أن تكون أداة للانطلاق نحو المنطقة العربية بتحالفات تتضاد مع مصالحها، على اعتبار أن المد اليساري انخفض، وهنا لا بد من جعل الشخصية التركية خارج حسابات التبعية السياسية مقابل مصالح آنية لا ترقى إلى بناء دولة مركزية في محيطها الكبير.. مع إسرائيل هناك تعارض سياسات لا قطع علاقات، إذ عندما أقدمت أنقرة أن تكون وسيطاً في حل الإشكال الطويل في عملية السلام أدركت أنها عنصر قبول مع طرفي العلاقة، وحتى عندما فتحت حدودها مع سوريا، وتقاربت مع إيران كانت تعرف رد الفعل السلبي مع إسرائيل، لكن الأخيرة لم تدرك أن رسم الخطوط العريضة لسياسة تركية مستقلة لا ترتهن لما تزعم إسرائيل أن دورها فاعل داخل أوروبا وأمريكا، وأن أي تجافٍ معها من قبل تركيا، سوف يعود عليها بالناقص إن لم يكن بخسائر مادية وإستراتيجية، وهو أمر لا تقرره تل أبيب حتى لو كانت متجذرة في تلك الأوساط، لأن مقاييس حلفائها عكس ما تفكر به، طالما تركيا قوة في المنطقة وخارجها، ومن غير المنطقي أن يسجل أي خلاف أضراراً لأوروبا وأمريكا اللتين هما بأمس الحاجة للوجود التركي.. على المستوى العربي، والإسلامي جاء التقارب لصالح كل الأطراف وخاصة العربية إذ إن قوى المنطقة الفاعلة في حالة تراجع لأسباب قديمة وأخرى مستحدثة، وعندما تدخل تركيا هذا المحيط المضطرب، وبعامل الصداقة وإحياء تاريخ قديم، فإنها الأقرب إلى لعب أدوار مهمة ومقبولة، ترشحها لهذا العمل بعد نجاحها الاقتصادي والسياسي..