تتدهور العلاقات التركية والإسرائيلية شيئاً فشيئاً. ينظر أميركيون ضيقو الأفق الى مثل هذا التدهور بامتعاض. فإسرائيل و تركيا هما حليفا الولاياتالمتحدة الديموقراطيان الوحيدان بالشرق الأوسط. ويرى هؤلاء أن على تركيا تفادي الابتعاد عن حليفة واشنطن الديموقراطية، إسرائيل، بينما تسعى (تركيا) إلى التقرب من دول المنطقة غير الديموقراطية . ويوجه هذا الرأي الاميركي رسالة تهديد مبطنة الى أنقرة، ويدعوها الى العودة عن الطريق الذي تسير فيه، و مصالحة إسرائيل وإلا دفعت ثمناً باهظاً. ولكن الرأي هذا لا يخرج عن تصور قديم بائت عن العلاقات في الشرق الأوسط. ولا يدرك أصحابه أن الأوضاع العالمية تغيرت. ولكن ما الاولوية في ميزان أميركا في الظروف الراهنة، أهي علاقتها بإسرائيل أم بتركيا؟ فعلاقات تركيا بدول آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان والشرق الأوسط وطيدة. ونسجت تركيا علاقات ثقة بدول هذه المناطق. لذا، ترقى تركيا الى مصاف حليف مهم للولايات المتحدة الاميركية. والمنطقة هذه هي بؤرة معظم مصالح واشنطن. و ليس في وسع إسرائيل مضاهاة تركيا في المنطقة وخدمة المصالح الاميركية في مناطق نفوذ تركيا. وإسرائيل باتت مصدر صداع واشنطن والبيت الابيض. وشعبية باراك اوباما في إسرائيل هي الأدنى بين جميع دول المنطقة، وتراجعت الى اقل من 10 في المئة. ويلحق دعم واشنطن إسرائيل في المنطقة الضرر بأميركا و مصالحها. فعلى سبيل المثال، حملت واشنطن حليفها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون في جرائم إسرائيل في حرب غزة، وإنقاذ إسرائيل من ورطة جرائم الحرب. ولكن النتيجة جاءت على خلاف ما اشتهت واشنطن. وأقر التقرير في مجلس حقوق الانسان، ولطخت صدقية أبومازن أمام شعبه، وصبّ ذلك في مصلحة «حماس». واليوم، نقرأ في الصحافة الإسرائيلية أن تل أبيب تنتظر من اميركا ان تعيد تركيا الى صوابها، اي ان تحملها على الإذعان للمصالح الإسرائيلية. وفي العقد الاخير، سعت تركيا الى استمالة أميركا من طريق التقرب من إسرائيل. واليوم، تحاول إسرائيل استمالة تركيا من طريق وساطة واشنطن. ولكن إسرائيل وواشنطن مدعوتان الى إدراك أن من يحاول التقرب من إسرائيل لخطب ود واشنطن سيلقى مصير محمود عباس، أي يحكم على نفسه بالإعدام . والحق أن شهر العسل في العلاقات التركية – الإسرائيلية، وهو بدأ في 1997 إثر إبرام اتفاقات عسكرية، لم يكن ثمرة اتفاق الشعبين التركي والإسرائيلي، بل ثمرة اتفاق إسرائيل مع الجيش التركي الذي أطاح حكومة نجم الدين اربكان. والمجموعة الانقلابية هذه لا تمثل الشارع التركي. والعلاقة التركية - الإسرائيلية هي وليدة استثناء. ومن الطبيعي أن تواجه، اليوم، التحديات مع عودة الديموقراطية الى تركيا، وانتخاب حكومة يؤيدها الشعب في أنقرة. والصداقة لا تجمع بين الشعبين التركي والإسرائيلي. فتل ابيب تطلب دعم تركيا الدائم وغير المشروط. وهو ما لا تستطيع تركيا الديموقراطية تقديمه. فشهر العسل بين القيادات العسكرية في تركيا وإسرائيل بلغ ختامه، وشرع الأبواب أمام علاقات وطيدة بين شعوب المنطقة. والشعب التركي هو الفيصل في اختيار من يستحق صداقته. * معلق وصحافي، عن «راديكال» التركية، 22 /10/2009