من خلال الجزء الأول تم إيضاح وتعريف قانون الأحوال الشخصية وعلاقته بالأحكام والمعاملات فيما يخص قضايا (الطلاق، الحضانة، النفقة)، وطرحنا مشاكل المرأة على أرض الواقع ومعاناتها في المحاكم التي قد تطول فترة إصدار الأحكام واستخراج الصكوك الأسرية، وفي الجزء الثاني والأخير سوف نطرح مرئيات المتخصصين في الحلول والمقترحات حول ضرورة إصدار نظام الأحوال الشخصية وآلية تنفيذه. أهمية إصدار النظام الأحوال في البداية قال احمد إبراهيم المحيميد محامي ومستشار قانوني إننا بحاجة إلى إصدار نظام الأحوال الشخصية لحفظ كيان الأسرة، ويكون مرجعاً لما هو مقرر في نظام الحكم الأساسي والذي نص على أن الأسرة هي نواة المجتمع، مشيراً إلى انه "لا يمكن الجزم بأن إصدار النظام سوف يضع حلولاً جذرية لمشاكل الأسرة والمتقاضين، وإنما هو حالة تنظيمية سوف توجد قاعدة رصينة لحل بعض المشاكل المتأزمة في سلك القضاء حالياً، وبالتالي فإن صدور النظام يجب أن يكون مواكباً لإصلاح القضاء وتفعيل محاكم الأحوال الشخصية مع الاعتماد على سياسة التعيين للأكفاء وأصحاب القدرات الفقهية العالية، وخضوعهم إلى اختبارات ذات مستوى عال، كما يجب إيجاد وتفعيل وتطوير آليات وأنظمة لإجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام تسهم في حفظ كيان الأسرة والأفراد .. ومن الضروري بأن يلحق بسلك القضاء مكاتب للاستشارات الأسرية والتوفيق والتحكيم وإصلاح ذات البين بين المتقاضين، علاوة على إيجاد صندوق للنفقة، وإدارة عامه للمتابعة، ومراكز إيواء للمتضررين لحماية المرأة وأطفالها.. كل ذلك سوف يسهم بصورة إيجابية في انتشال واقع الأسرة والتقاضي أمام المحاكم كونه حقاً أساسياً لهم؛ خاصة أن الوضع الحالي فيه إهدار للحقوق ومضيعة للوقت وإهدار للجهد والمال ولا يواكب طبيعة التطور المجتمعي المتطور للمملكة، خاصة أن الهدف هو التطوير والانتقال إلى واقع مغاير يضع الأسرة وكيانها ضمن تشريعات حامية لها ومتوافقة مع متطلبات العصر الحديث وفيه كذلك حماية وصيانة الآراء الفقهية من العبث والتلاعب والتغيير والتحريف، وتوحيد الأداة التشريعية عند التعامل مع قضايا الأسرة عبر تدوين وتنظيم الأحكام الشرعية المتناثرة في بطون الكتب الفقهية وتقليل التباين بين أحكام القضاة، حسبما يتوافق عليه الفقهاء والعلماء والقضاة الشرعيون، والمحامون وفي ضوء الشريعة الإسلامية السمحة، ودون تصرف في البنود الشرعية، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العصرية التي تتطلب معالجات مجتهدة لخدمة أحوال الأسرة وتمكين أفرادها من حقوقهم الشرعية. فوائد تقنين النظام واضاف انه من مزايا وفوائد تقنين نظام الأحوال الشخصية في الإسلام مايلي: - التأكد من سلامة تطبيق وتوحيد أحكام الشريعة الإسلامية على كافة القضايا. - رفد القضاء بمواد قانونية تغني عن البحث في الكتب الفقهية، ومجانبة البعد عن الآراء والمراجع الصحيحة المستمدة من الشريعة الإسلامية. - الاطمئنان في أوساط المتعاملين مع القانون كالقضاة والمحامين والمتقاضين، حيث لن تكون لأي شخص حرية مطلقة يقول ما يشاء ويحكم بما يشاء من دون وجود مرجعية يرجع إليها كل من القاضي والمحامي. - المساهمة في حل جزء كبير، من الإشكالات العديدة التي تتعرض لها الأسر في مسائل الطلاق التعسفي وآثاره وتأخير الفصل في الخصومات وغيرها من القضايا اليومية الكثيرة التي تحولت إلى ظواهر اجتماعية مهددة للأمن الأسري، ذلك أنه في الوضع الحالي تختلف غرف المحكمة الواحدة في القضايا المتشابهة مثل اختلاف سن الحضانة وتقدير النفقة. «ظلم الزوج» يزيد من معاناة المرأة - الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العصرية فيما يخص النفقة والعدل بين الزوجات ومستوى معيشة الأطفال، والتحقق من صحة المعلومات المقدمة من المتخاصمين وغيرها للبت بأحكام منصفة. - وضع قواعد واضحة تحكم أسس الاختلاف في الحضانة والنفقة والخلع والطلاق وحتى عند الاختلاف في المواريث والوصايا والولاية. - اختصارا للوقت مما يضمن انتهاء القضايا بوقت قياسي بعكس ماهو حاصل حاليا، وتوفيراً للجهد والمال. - ضمان حصول كل من الطفل والمرأة على كامل حقوقهم الشرعية والقانونية. - ضمان تماثل وتطابق الإحكام النهائية على كافة القضايا دون اختلاف أو تفريق. بنك اجتماعي .. ويقترح الدكتور سامي وجود ما أسماه بنك اجتماعي أوضح فكرته قائلاً " أقترح بالنسبة لتنفيذ أحكام النفقات أن ينشأ بنك اجتماعي متخصص يقوم بتنفيذ الأحكام الصادرة في قضايا النفقات بمجرد تقديمها إليه واتخاذ الإجراءات بعد ذلك لتحصيلها من المحكوم عليه بها، لأن المرأة ليس لديها القدرة على متابعة التنفيذ وملاحقة مطلقها خاصة إذا لم يكن من موظفي الدولة وكان يعمل بالقطاع الخاص أو لا يعمل، وتنفيذ هذا البنك سيجعل الله فيه الخير الكثير والأجر والمثوبة لولاة الأمر -أعزهم الله-، كما نقترح أن تقنن مسائل الأحوال الشخصية في ظل الشريعة الغراء وضرورة إنشاء محاكم خاصة بالنظر لقضايا الأحوال الشخصية أو على الأقل إفراد دوائر خاصة بالمحاكم لتسهيل الأمر على المرأة ولسرعة البت في هذه القضايا لما لها من خصوصية. تعديل عقد النكاح أما المحامي الأستاذ عدنان العمري فيقول " من الأمور التي تشكل معاناة في قضايا المرأة وأرى من المفيد تغييرها أو تطويرها في مسائل الأحوال الشخصية: * عدم السماح للمحامين في اغلب الحالات بتمثيل الخصوم أمام القضاة عند النظر في قضايا الأحوال الشخصية .. في حين تكون المرأة في أمس الحاجة لمن يساندها في هذا الموقف خاصة في إجراءات التقاضي وأمام القاضي ضد خصمها الزوج. * إطالة المدة في انجاز قضايا المسائل الشخصية فيه مصلحة؛ مثل أن يتم الصلح بينهم أثناء هذه المدة بتوسط أهل الخير أو غيره ولكن فيه أيضا خطورة في حالة كون المرأة متضررة والزوج مرتاح فيأتي ذلك في مصلحة الزوج على حساب الزوجة.. الانفصال بين الزوجين لا يعني إهمال أطفالهما * مماطلة المدعى عليه الزوج بالحضور للمحكمة واستغلاله للمواعيد البعيدة بين الجلسات بقصد الإساءة والضغط على المرأة وحرمانها من حقوقها وهذا جانب علينا تداركه ووضع حلول مناسبة له. * تجزئة القضية الأسرية إلى عدة قضايا متنوعة ومختلفة المواعيد والقضاة مثل قضية النفقة غير قضية الحضانة غير قضية الطلاق أو الخلع وهذا أيضا يعتبر أمراً لا يصب في صالح أطراف القضية فمن النادر أن تكون حالة طلاق أو خلع ولا يصاحبها نفقة أو حضانة وغيرها فالأمور في القضايا الأسرية مرتبطة ببعضها .. * رغم حرص القضاة على عدم إيقاع الضرر على المرأة كونها الطرف الضعيف إلا أن ما يحدث في الغالب هو تضررها بسبب دخول القضاة تحت ضغط القضايا الكثيرة في ظل عدم تناسب عدد القضايا مع عدد القضاة مما يجعل بعض القضاة يقومون بتأجيل القضية لأوقات طويلة قد تضر بأطراف القضية .. * تتم مناقشة القضايا المتعلقة بالمرأة في مجلس القضاء أحيانا في وجود بعض المراجعين وهذا غير لائق في رأيي الخاص نظرا لخصوصية النزاع . * وأخيرا يجب تقنين نظام للأحوال الشخصية ويجب أن يعرف كلا الطرفين حقوقهما وواجباتهما تجاه بعضهما البعض ، ولا يمنع ذلك من تعديل عقد النكاح بصيغة جديدة منظمة لأساسيات العلاقة بين الزوج والزوجة . وتساءل العمري: لماذا لا يفعل برنامج استقطاع النفقة من راتب من حكم عليه بالإنفاق على أبنائه بدلاً من عودة المرأة مرات عدة واستئناف الإجراءات الطويلة في كل مرة تحاول فيها إثبات انقطاع النفقة عنها وعن أبنائها، لا سيما وإن هذه الطريقة لا تجعل مجالاً للكذب من كلا الطرفين؟!. إصلاح ذات البين! ويعتبر الدكتور التميمي لجان إصلاح ذات البين تطبيقاً لما قرره المولى عز وجل في كتابه العزيز " فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها .... الآية"، إلا أنها مع تغير الزمان اقتصادياً واجتماعياً وخروج المرأة إلى سوق العمل فإن هذه اللجان أصبحت ذات تأثير محدود... وتابع "ما أود التركيز عليه هنا أنه لا يوجد بالمملكة نظام للأحوال الشخصية، لأن المملكة بحمد الله تستمد أحكامها مباشرة من الشريعة الإسلامية الغراء، ومما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة، فلا تعديل ولا تبديل لحكم الله عز وجل، ولكن كل ما هنالك هو النظر إلى علاقات الأفراد بعضهم ببعض، لذا أوصيهم تمسك بعض الآباء بحق الحضانة يكلفهم كثيراً ونفسي بتقوى الله وتطبيق وتنفيذ ما أمر به رب العزة سبحانه وتعالى الذي قال وقوله الحق " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، وهو القائل جل شأنه " ولا تنسوا الفضل بينكم". الصلح في المحكمة الأستاذ محمد بن صالح السعوي رئيس قسم الصلح في المحكمة العامة ببريدة يقول تأتي في مقدمة الأسباب المؤدية إلى "أبغض الحلال" إنعام التوفيق في اختيار شريك أو شريكة الحياة اللذين ينبغي أن يسأل كل منهما عن الآخر ويعرف كل شيء عنه ؛وهي المعلومات التي يكون نقصها أو إخفاؤها احد أسباب اشتعال نار المشاكل بين الزوج والزوجة حتى تأتي على بنيان المنزل ويحدث الطلاق، مشيراً إلى أن اغلب مشاكل المحاكم بعد الطلاق تنحصر في النفقة والحضانة. وأضاف أن النفقة يتم تحديدها على حسب دخل الزوج، وزيارة الأطفال يتفق على أيام وموعد بتراضي الطرفين، مشيراً إلى أن عدم صدور الحكم بوقت قصير يعود إلى عدم حضور الزوج وتغيبه وبذلك يتم إحضاره ( إذا تغيب عن الحضور عن ثلاث مواعيد ) يتم إحضاره عن طريق الشرطة بالقوة الجبرية. معاناة المرأة في المحاكم! واشار إلى أن من مشاكل النساء في المحاكم انه تقام الدعوى في مكان المدعي عليه وبذلك تتحمل مشقة السفر والحضور إلى بلد المدعى عليه لأخذ أم مطلقة تحمل طفلها أمام إحدى الجمعيات الخيرية بحثاً عن مساعدة حقها في الحكم، وعدم مرعاة وضع المرأة وصعوبة سفرها وعدم تفعيل أو جهل النساء بالأنظمة وعدم إبلاغ القاضي للمرأة بان هناك نظاماً يسمح لها وهو ينص على في اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية مادة 34/10 أن يجوز سماع الدعوى داخل المملكة في غير بلد المدعى عليه في الأحوال الآتية: للزوجة في المسائل الزوجية الخيار في إقامة دعوها في بلدها أو بلد الزوج، وعلى القاضي إذا سمع الدعوى في بلد الزوجة استخلاف قاضي بلد الزوج للإجابة عن دعواها، فإذا توجهت الدعوى ألزم الزوج بالحضور إلى محل إقامتها للسير فيها فإذا امتنع سمعت غيابياً، وإذا لم تتوجه الدعوى ردها القاضي دون إحضاره.